للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى جَمِيعِ الْمَعَانِي، قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣] فَقِيلَ: أَرَادَ بِالْمُلَامَسَةِ الْمُوَاقَعَةَ، فَقَالَ: أَحْمِلُهُ عَلَى الْجَسِّ بِالْيَدِ حَقِيقَةً وَعَلَى الْوِقَاعِ مَجَازًا، يَعْنِي وَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَفِي الْحَقِيقَتَيْنِ أَوْلَى.

وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَلِهَذَا حَمَلْنَا آيَةَ اللَّمْسِ عَلَى الْجِمَاعِ، وَعَلَى الْجَسِّ بِالْيَدِ، وَنَقَلَهُ غَيْرُهُمَا عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَالْقَاضِي صَرِيحًا.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْحَقُّ أَنَّ فِي النَّقْلِ عَنْهُمَا فِي هَذَا خَلَلًا، وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ فِي " الْمَنَاقِبِ " عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَالْبَيْضَاوِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْجَمْعِ الْمُنْكِرِ عَنْ الْجُبَّائِيُّ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ، فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَلْزَمُ تَعْطِيلُ النَّصِّ، وَلِأَنَّ الْعَمَلَ بِالدَّلِيلِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ، وَلَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ تَفْهِيمُ الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ، فَيَصِيرُ انْتِفَاءُ الْقَرِينَةِ الْمُخَصِّصَةِ قَرِينَةَ تَعْمِيمٍ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ

الثَّانِي: الْمَنْعُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ مِنْ الْحَنَابِلَةِ.

وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ: إنَّهُ الْأَشْبَهُ فَقَالَ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ مُرَادٌ بِهِ جَمِيعُ مَعَانِيهِ، وَلَا يُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى جَمِيعِهَا، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، وَإِنَّمَا هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا قَالَهُ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ فِي " تَقْوِيمِ الْأَدِلَّةِ ". قَالَ: وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا: مَنْ أَوْصَى لِمَوَالِيهِ، وَلَهُ مَوَالٍ أَعْتَقُوهُ وَمَوَالٍ أَعْتَقَهُمْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّ مَعْنَى الْوَلَاءَيْنِ مُخْتَلِفٌ، فَيُرَادُ بِالْوَصِيَّةِ لِلْأَعْلَى الْجَزَاءُ، وَلِلْأَسْفَلِ زِيَادَةُ الْإِنْعَامِ، وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَةٍ: إنْ نَكَحْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، لَمْ يَنْصَرِفْ إلَى الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ جَمِيعًا، لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>