للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَحَصَلَ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا: التَّفَاوُتُ، وَعَلَى هَذَا وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ عِلْمِ الْيَقِينِ وَعَيْنِ الْيَقِينِ وَحَقِّ الْيَقِينِ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ إنَّ مُوسَى لَمْ يُلْقِ الْأَلْوَاحَ لَمَّا سَمِعَ عَنْ قَوْمِهِ وَأَلْقَاهَا حِينَ رَآهُمْ» . وَقَالَ أَئِمَّةُ الْحَقِيقَةِ: الْعِلْمُ بِاَللَّهِ إنْ كَانَ بِالْأَدِلَّةِ فَهُوَ عِلْمُ الْيَقِينِ، فَإِذَا قَوِيَ فَهُوَ عَيْنُ الْيَقِينِ، فَإِذَا فَنِيَ فِيهِ فَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ. وَيُقَالُ: عِلْمُ الْيَقِينِ كَالنَّاظِرِ إلَى الْبَحْرِ، وَعَيْنُ الْيَقِينِ كَرَاكِبِ الْبَحْرِ، وَحَقُّ الْيَقِينِ كَمَنْ غَرِقَ فِي الْبَحْرِ. اهـ. وَقَدْ أُورِدَ عَلَى الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ التَّفَاوُتِ أَنَّهُ يَكُونُ عِلْمُ الْأُمَمِ مُمَاثِلًا لِعُلُومِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ عِلْمَهُمْ مُفَاوِتٌ لِعِلْمِنَا وَكَذَلِكَ رُجْحَانُ بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى بَعْضِهِمْ فِي الْمَعَارِفِ.

وَأُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اطَّلَعَ عَلَى صِفَةٍ لِلْبَارِي تَعَالَى لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا غَيْرُهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ رَاجِعًا إلَى زِيَادَةِ عِلْمٍ بِمَعْلُومٍ آخَرَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ تَفَاوُتًا فِي الْعِلْمِ. الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ رَبُّهُ بِوُجُوهِ أَدِلَّةٍ لَمْ نَطَّلِعْ نَحْنُ عَلَى جَمِيعِهَا، فَيَرْجِعُ التَّفَاوُتُ إلَى أَعْدَادِ الْمَعْلُومِ، لَا إلَى نَفْسِ الْعِلْمِ. وَأَمَّا رُجْحَانُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعَارِفِ وَتَوَالِيهَا إذَا حَصَلَتْ بِلَا فَتْرَةٍ، وَلَا غَفْلَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>