وَكَأَنَّ الرَّافِعِيَّ لَمْ يَقِفْ عَلَى النَّقْلِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مُسْتَبْعَدٌ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ " التَّقْرِيبِ " وَغَلِطَ مَنْ نَقَلَ عَنْهُ الْمَنْعَ وَإِنَّمَا مَنَعَ الْحَمْلَ لَا الِاسْتِعْمَالَ كَمَا سَنُحَقِّقُهُ عَنْهُ.
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَجَرَى عَلَى مِنْوَالٍ وَاحِدٍ، فَجَوَّزَ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَحَمَلَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِمَا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الرِّفْعَةِ نَصَّهُ عَلَى ذَلِكَ فِي " الْأُمِّ " عِنْدَ الْكَلَامِ فِيمَا إذَا عَقَدَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى امْرَأَةٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ السَّابِقَ مِنْهُمَا، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ مِنْ " الْمَطْلَبِ ".
وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ: إنَّهُ ظَاهِرُ اخْتِيَارِ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي مُفَاوَضَةٍ لَهُ فِي آيَةِ اللَّمْسِ: هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْجَسِّ بِالْيَدِ حَقِيقَةً وَعَلَى الْوِقَاعِ مَجَازًا.
قُلْت: وَكَذَلِكَ نَصُّهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: ٤٣] فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْعُبُورِ فِي الْمَسْجِدِ لِقَوْلِهِ: {إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: ٤٣] ، وَقَالَ: أَرَادَ مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ، وَحَمَلَ اللَّفْظَ عَلَى الصَّلَاةِ وَعَلَى مَوَاضِعِهَا، وَدَلَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَوْلُهُ: {حَتَّى تَعْلَمُوا} [النساء: ٤٣] ، وَعَلَى مَوَاضِعِهَا قَوْلُهُ: إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ " فَحُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَأَمَّا نَصُّهُ فِي " الْبُوَيْطِيِّ " عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِمَوَالِيهِ وَلَهُ عُتَقَاءُ وَلَهُمْ عُتَقَاءُ أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِينَ مَعَ أَنَّهُمْ مَوَالِيهِ، وَالْآخَرُونَ مَجَازًا بِالسَّبَبِيَّةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُ الْوَلَدِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَلَيْسَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute