للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا هَاهُنَا فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " الْبُرْهَانِ ": وَقَدْ عَظُمَ نَكِيرُ الْقَاضِي عَلَى مَنْ يَرَى الْحَمْلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مَعًا، وَقَالَ فِي تَحْقِيقِ إنْكَارِهِ: اللَّفْظَةُ إنَّمَا تَكُونُ حَقِيقَةً إذَا انْطَبَقَتْ عَلَى مَا وُضِعَتْ لَهُ فِي أَصْلِ اللِّسَانِ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ مَجَازًا إذَا تُجُوِّزَ بِهَا عَنْ مُقْتَضَى الْوَضْعِ، وَيَحِيلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مُحَالَ الْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ.

قُلْت: مِنْ هُنَا نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ حَقِيقَتُهُ وَمَجَازُهُ مَعًا كَمَا يَلْزَمُ مِنْهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَلَمْ يُرِدْ الْقَاضِي ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي " التَّقْرِيبِ " بِجَوَازِ الْإِرَادَةِ، وَإِنَّمَا الَّذِي مَنَعَهُ الْحَمْلُ عَلَيْهِمَا.

قَالَ الْإِمَامُ: وَقَوْلُ الْقَاضِي هُوَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ يَرْجِعُ إلَى اشْتِقَاقِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي " شَرْحِ التَّلْقِينِ ": اسْتَدْرَكَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى الْقَاضِي هَذَا، وَقَالَ: إنَّمَا يُمْنَعُ فِي حَقِّ مَنْ خَطَرَ بِبَالِهِ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ فِي خِطَابِهِ حَقِيقَةُ الْحَقِيقَةِ وَحَقِيقَةُ الْمَجَازِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَصْدُ إرْسَالَ اللَّفْظَةِ عَلَى جَمِيعِ مَا تُطْلَقُ عَلَيْهِ دُونَ الْقَصْدِ إلَى حَقَائِقَ أَوْ مَجَازٍ، فَإِنَّ هَذَا يَصِحُّ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيهِ.

وَحَقَّقَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ مَذْهَبَ الْقَاضِي، فَقَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُطْلِقَ الْمُطْلِقُ لَفْظَ اللَّمْسِ، وَيُرِيدُ بِهِ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ، فَيَقُولُ: اللَّمْسُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَهُوَ يَعْنِيهِمَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِتَجْوِيزِهِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ.

قَالَ الْقَاضِي: وَفِي هَذَا أَصْلٌ يَدِقُّ عَلَى الْفَهْمِ، وَهُوَ أَنَّ مُطْلَقَ اللَّفْظِ لَوْ خَطَرَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ اللَّفْظَ حَقِيقَةً وَيَسْتَعْمِلَهُ مَجَازًا لَمْ يُتَصَوَّرْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ، لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ تَقْتَضِي قَصْرَهَا، وَالتَّجَوُّزَ يَقْتَضِي تَعْدِيَتَهَا عَنْ أَصْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>