عَنْ الشَّارِعِ أَنَّهُ وَضَعَ لَفْظَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بِإِزَاءِ مَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ، بَلْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الشَّارِعِ لِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِإِزَاءِ تِلْكَ الْمَعَانِي حَيْثُ صَارَتْ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ مَهْجُورَةً، وَكَذَلِكَ الْعُرْفُ، فَإِنَّ أَهْلَهُ لَمْ يَضَعُوا لَفْظَ الْقَارُورَةِ مَثَلًا لِلظَّرْفِ مِنْ الزُّجَاجِ عَلَى جِهَةِ الِاصْطِلَاحِ، كَمَا أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَضَعْ لَفْظَ الزَّكَاةِ لِقَطْعِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَالِ لِلْفُقَرَاءِ. بَلْ صَارَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ شَرْعِيَّةً وَعُرْفِيَّةً بِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ دُونَ أَنْ يَسْبِقَهُ تَعْرِيفٌ بِتَوَاضُعِ الِاسْمِ، وَمِنْ هَاهُنَا مَنَعَ بَعْضُهُمْ إدْخَالَ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَدِّ لِاخْتِلَافِ مَعْنَى الْوَضْعِ فِيهَا فَإِنَّ الِاصْطِلَاحَ غَيْرُ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ، فَإِنْ خَصَصْنَا الْوَضْعَ بِالِاصْطِلَاحِ خَرَجَتْ الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَالْعُرْفِيَّةُ، وَإِنْ لَمْ نَخُصَّهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا، وَالْحُدُودُ تُصَانُ عَنْهُ، فَيَنْبَغِي إفْرَادُهَا بِحَدٍّ كَأَنْ يُقَالَ: الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الِاصْطِلَاحِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ التَّخَاطُبُ، لَكِنْ هَذِهِ مُضَايَقَةٌ لَا طَائِلَ تَحْتَهَا بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ لِلشَّرْعِ وَضْعًا كَاللُّغَةِ فَإِنَّ الْوَضْعَ تَعْلِيقُ لَفْظٍ بِإِزَاءِ مَعْنًى، وَهُوَ يَشْمَلُهُمَا لَكِنْ يَخْتَلِفَانِ فِي سَبَبِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ، فَفِي اللُّغَةِ إعْلَامُ الْغَيْرِ بِأَنَّهُ وُضِعَ لِذَلِكَ، وَفِي الشَّرْعِ بِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، لِيَرْفَعَ الْوَضْعَ السَّابِقَ إنْ كَانَ.
وَإِذَا عَلِمْت هَذَا فَلْنَتَكَلَّمْ عَلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ فَنَقُولُ: أَمَّا اللُّغَوِيَّةُ فَهِيَ الَّتِي عَلَيْهَا جُلُّ الشَّرِيعَةِ عِنْدَ قَوْمٍ، وَهُمْ الْمُثْبِتُونَ لِلنَّقْلِ الشَّرْعِيِّ وَالْعُرْفِيِّ، أَوْ كُلُّهَا عِنْدَ آخَرِينَ، وَهُمْ النَّافُونَ لَهُ، فَيَقُولُونَ: إنَّ جَمِيعَ مَا وَرَدَ فِي الشَّرْعِ بِحُرُوفِ اللُّغَةِ وَنَظْمِهَا، وَالْمَقْصُودُ بِهِ مِنْ نُطْقِ الشَّرْعِ هُوَ الْمَقْصُودُ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ لَا خِلَافَ فِي إمْكَانِهَا وَوُقُوعِهَا فِي الْمَعْنَى الْوَاحِدِ. وَأَمَّا الْمُفِيدُ لِلشَّيْءِ وَخِلَافِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ فَمَنَعَهُ قَوْمٌ، وَقَدْ سَبَقَتْ فِي مَبَاحِثِ الِاشْتِرَاكِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute