للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمَّا انْقَسَمَتْ إلَى مَهْجُومٍ عَلَيْهِ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى، وَإِلَى مَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى فِكْرٍ سَمَّى أَحَدَ الْقِسْمَيْنِ ضَرُورِيًّا وَالْآخَرَ نَظَرِيًّا. قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ ثُمَّ الضَّرُورِيُّ يَقَعُ مَقْدُورًا لِلَّهِ تَعَالَى خَلْقًا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَيْهِ، وَأَمَّا النَّظَرِيُّ فَعِنْدَ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ مَقْدُورٌ بِالْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ.

وَاخْتَارَ الْإِمَامُ أَنَّهَا مَقْدُورَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اكْتِسَابٌ. قَالَ: وَهَذَا الَّذِي كُنَّا سَمِعْنَاهُ قَدِيمًا مِنْ مَذْهَبِ الْكَرَّامِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَنْ تَمَّمَ نَظَرَهُ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ شَاءَ أَوْ أَبَى، فَلَوْ كَانَ الْعِلْمُ مُكْتَسَبًا لَهُ لَتَوَقَّفَ عَلَى اخْتِيَارِهِ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ ": ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ الْعُلُومَ كُلَّهَا ضَرُورِيَّةٌ، وَاَلَّذِي نَخْتَارُهُ الْقَطْعُ بِأَنَّ الْعُلُومَ الْحَادِثَةَ بِأَسْرِهَا ضَرُورِيَّةٌ. وَإِنَّمَا الْمَقْدُورُ طَلَبُهَا بِالنَّظَرِ الْمُفْضِي إلَيْهَا، فَإِذَا تَمَّ النَّظَرُ وَانْدَفَعَ عَنْ مَرَاسِمِهِ أَضْدَادُ الْعِلْمِ بِالْمَنْظُورِ فِيهِ حَصَلَ الْعِلْمُ لَا مَحَالَةَ مِنْ غَيْرِ إيثَارٍ، وَدَرْكُ اقْتِدَارِهِ، وَهُوَ بِالْقُدْرَةِ، وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْعُلُومَ الَّتِي تَعْقُبُ النَّظَرَ تَقَعُ وُقُوعَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ، وَمَا عَدَاهَا مِنْ الْأَفْعَالِ الْمَقْدُورَةِ، فَقَدْ ظَنَّ أَمْرًا بَعِيدًا. ثُمَّ إنَّ الْأُسْتَاذَ انْفَرَدَ بِقَوْلٍ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَجُوزُ فَرْضُ الْعِلْمِ النَّظَرِيِّ مَقْدُورًا لِلْعَبْدِ عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ نَظَرٍ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ الْعِلْمُ فِي حَقِّ مَنْ اقْتَدَرَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَنْظُرْ كَالْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ الْوَاقِعَةِ عَلَى مُوجِبِ إيثَارِ الْمُتَّصِفِ بِهَا، وَهَذَا قَوْلٌ غَيْرُ سَدِيدٍ.

وَتَحَصَّلَ لَنَا مَذَاهِبُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>