الْإِخْبَارُ عَمَّا نَصَّ. وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ لِاسْتِحْدَاثِ أَحْكَامٍ لَمْ تَكُنْ قَبْلُ، فَهَلْ هِيَ إخْبَارَاتٌ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بَاقِيَةٌ عَلَى الْأَوْضَاعِ اللُّغَوِيَّةِ، أَوْ إنْشَاءَاتٌ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّارِعَ نَقَلَهَا إلَى الْإِنْشَاءَاتِ الْمَخْصُوصَةِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ. وَالْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الرَّازِيَّ وَأَتْبَاعُهُ عَلَى الثَّانِي وَنُسِبَ الْأَوَّلُ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَأَنْكَرَهُ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ السُّرُوجِيُّ فِي " الْغَايَةِ "، وَقَالَ: الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا إنْشَاءَاتٌ.
قُلْت: وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ " الْبَدِيعِ ": إنَّهُ الْحَقُّ حِينَئِذٍ، فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَلِهَذَا أَجْمَعُوا عَلَى ثُبُوتِ أَحْكَامِهَا عِنْدَ التَّلَفُّظِ بِهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ يَثْبُتُ مَعَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِهَا أَوْ عَقِبَهُ، وَنَسَبَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي " شَرْحِ الْمَحْصُولِ " الْقَوْلَ بِأَنَّهَا إخْبَارَاتٌ لِاخْتِبَارِ أَئِمَّةِ النَّظَرِ مِنْ الْخِلَافِيِّينَ. قَالُوا: وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالنَّقْلِ الشَّرْعِيِّ إمَّا مُطْلَقًا كَقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ أَوْ إلَى مَجَازَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ، وَلَا يَتَأَتَّى عَلَى رَأْيِ الْقَاضِي، وَتَحْرِيرُ الْقَوْلِ بِالْإِخْبَارِ: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِك: بِعْت، الْإِخْبَارُ عَمَّا فِي قَلْبِك، فَإِنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ هُوَ التَّرَاضِي، وَوُضِعَتْ لَفْظَةُ بِعْت لِلدَّلَالَةِ عَلَى الرِّضَى، فَكَأَنَّهُ أَخْبَرَ بِهَا عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ بِتَقْدِيرِ وُجُودِهَا قُبَيْلَ اللَّفْظِ لِلضَّرُورَةِ، وَغَايَةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ. وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا إنْشَاءٌ قَالُوا: لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا نُقِلَتْ عَنْ مَعْنَى الْإِخْبَارِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَوُضِعَتْ لِإِيقَاعِ هَذِهِ الْأُمُورِ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهَا صِيَغٌ يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ مَدْلُولَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ عَلَى ثُبُوتِ هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ، فَاعْتَبَرَ الشَّرْعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute