للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهَا: زِيَادَةُ بَيَانِ حَالِ الْمَذْكُورِ، نَحْوُ رَأَيْت أَسَدًا، فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الشَّجَاعَةِ لِمَنْ حَكَمْت عَلَيْهِ فِي قَوْلِك: رَأَيْت إنْسَانًا كَالْأَسَدِ شَجَاعَتُهُ. وَمِنْهَا: تَكْثِيرُ الْفَصَاحَةِ؛ لِأَنَّ فَهْمَ الْمَعْنَى مِنْهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَرِينَةٍ، وَفِي ذَلِكَ غُمُوضٌ يَحُوجُ إلَى حَرَكَةِ الذِّهْنِ، فَيَحْصُلُ مِنْ الْفَهْمِ شَبِيهُ لَذَّةِ الْكَسْبِ، وَكَذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ بِالِالْتِزَامِ أَحْسَنُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِالْمُطَابَقَةِ لِمَا فِي دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ تَصَرُّفُ الذِّهْنِ. وَمِنْهَا: أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمَعْنَى الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالْمَجَازِ لَفْظٌ حَقِيقِيٌّ إنْ قُلْنَا: لَا يَسْتَلْزِمُهُ، أَوْ أَنْ يَجْهَلَ الْمُتَكَلِّمُ أَوْ الْمُخَاطَبُ لَفْظَهُ الْحَقِيقِيَّ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ: إنَّ حَشِيشَ الْحَرَمِ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ، وَأَرَادُوا الْأَخْضَرَ، وَإِلَّا فَفِي اللُّغَةِ أَنَّ الرَّطْبَ يُقَالُ لَهُ: خَلَا، وَالْيَابِسُ حَشِيشٌ فَكَأَنَّ الْفُقَهَاءَ آثَرُوا تَسْمِيَةَ الرَّطْبِ حَشِيشًا مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى أَفْهَامِ الْعَامَّةِ، وَلِجَهْلِهِمْ مَعْنَى الْخَلَا، وَبِهَذَا يَغْلُظُ مِنْ غَلَّطَهُمْ، أَوْ لِثِقَلِ لَفْظِ الْحَقِيقَةِ عَلَى اللِّسَانِ كَالْخِنْفِقِيقِ اسْمٌ لِلدَّاهِيَةِ، أَوْ تَيْسِيرُ التَّجْنِيسِ وَالْجَمْعِ وَسَائِرِ أَصْنَافِ الْبَدِيعِ. تَنْبِيهٌ اتَّفَقَ الْأُدَبَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ أَبْلَغُ مِنْ الْحَقِيقَةِ. قَالَ الْجُرْجَانِيُّ: وَلَيْسَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ تَارَةً يُفِيدُ زِيَادَةً فِي الْمَعْنَى نَفْسِهِ لَا تُفِيدُهَا الْحَقِيقَةُ، بَلْ إنَّمَا يُفِيدُ تَأْكِيدَ الْمَعْنَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>