أَبِي حَنِيفَةَ يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ: مِنْهَا: إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلْعَبْدِ الْأَكْبَرِ مِنْهُ سِنًّا: هَذَا ابْنِي فَحَقِيقَتُهُ مُسْتَحِيلَةٌ إذْ يَسْتَحِيلُ كَوْنُهُ ابْنَهُ، فَهَلْ يُنَزَّلُ عَلَى الْمَجَازِ، وَيُقَالُ: الْمُرَادُ مِثْلُ ابْنِي فِي الْحُرِّيَّةِ، فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ لِهَذَا اللَّفْظِ، أَوْ لَا يُنَزَّلُ عَلَيْهِ بَلْ يَلْغُو؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْأَوَّلِ، وَقَالَ صَاحِبَاهُ بِالثَّانِي، وَلَا خِلَافَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِيهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا عِنْدَ الْإِمْكَانِ إذَا كَانَ الْمُقِرُّ بِنَسَبِهِ بَالِغًا وَكُذِّبَ الْمُقِرُّ، فَإِنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ جَزْمًا، وَفِي ثُبُوتِ الْعِتْقِ وَجْهَانِ لِلْإِمْكَانِ عَلَى الْجُمْلَةِ.
وَقَالُوا: لَوْ حَلَفَ لِيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ فَإِنَّ يَمِينَهُ تَنْعَقِدُ عَلَى الْأَصَحِّ لِإِمْكَانِ الْبِرِّ، وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَصْعَدُ السَّمَاءَ لَمْ يَنْعَقِدْ يَمِينُهُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ فِيهِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ. لَكِنْ خَالَفُوهُ فِيمَا لَوْ قَالَ: لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذِهِ الْإِدَاوَةِ وَلَا مَاءَ فِيهَا، فَقَالُوا: يَحْنَثُ عَلَى الْأَصَحِّ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ، وَكَانَ يَنْبَغِي تَصْحِيحُ عَدَمِ الِانْعِقَادِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَهُوَ الْبِرُّ غَيْرُ مُمْكِنٍ. لَنَا أَنَّ الْمَجَازَ يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ مِنْ الْمَوْضُوعِ لَهُ إلَى لَازِمِهِ، فَاللَّازِمُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْمَوْضُوعِ لَهُ فَيَكُونُ اللَّازِمُ خَلَفًا وَفَرْعًا لِلْمَوْضُوعِ لَهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِ الْأَوَّلِ لِتَوَقُّفِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ عَلَيْهِ، فَاَلَّذِي ثَبَتَ بِهَذَا اللَّفْظِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ مَثَلًا، فَلَفْظُ: هَذَا ابْنِي خَلَفٌ عَنْ الْحُكْمِ الَّذِي ثَبَتَ بِهَذَا اللَّفْظِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ كَثُبُوتِ الْبُنُوَّةِ مَثَلًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَفْظُ هَذَا ابْنِي خَلَفٌ عَنْ لَفْظِ: هَذَا حُرٌّ، فَيَكُونُ الْمُتَكَلِّمُ بِاللَّفْظِ الَّذِي يُفِيدُهُ الْمَعْنَى بِطَرِيقِ الْمَجَازِ خَلَفًا عَنْ الْمُتَكَلِّمِ بِاللَّفْظِ الَّذِي يُفِيدُ عَيْنَ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، وَقِيلَ: بَلْ أَرَادَ أَنَّ لَفْظَ: هَذَا ابْنِي إنْ أُرِيدَ بِهِ الْحُرِّيَّةُ خَلَفٌ عَنْ لَفْظِ: هَذَا ابْنِي إذَا أُرِيدَ بِهِ الْبُنُوَّةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute