للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونَ مُرَادُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَيْئًا آخَرَ لِئَلَّا يَلْزَمَ كَذِبُهُ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ مِنْ ظَاهِرِ الْكَلَامِ، فَقَدْ نَشَأَ الْخِلَافُ فِي فَهْمِ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ غَيْرِ الِاحْتِمَالَاتِ الْخَمْسَةِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ النَّسْخَ دَاخِلٌ فِي التَّخْصِيصِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْإِمَامُ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا عُمُومَ فِي الْأَزْمَانِ، وَالْأَمْرُ لَا يَقْتَضِي بِصِيغَتِهِ فِعْلَ الْمَأْمُورِ أَبَدًا. وَالْحَقُّ فِي الْجَوَابِ أَنَّ النَّسْخَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَحْكَامِ لَا الْأَلْفَاظِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تُنْسَخُ التِّلَاوَةُ وَلَيْسَتْ مَعْنًى. قُلْنَا: نَسْخُهَا أَيْضًا عَدَمُ جَوَازِ تِلَاوَةِ ذَلِكَ الْمَنْسُوخِ. قَالَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ التَّخْصِيصِ، وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ الِاقْتِضَاءَ رَاجِعٌ لِلْإِضْمَارِ عَلَى رَأْيِ جَمْعٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ مِنْهُمْ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ إسْقَاطِ شَيْءٍ مِنْ الْكَلَامِ لَا يَتِمُّ الْكَلَامُ بِدُونِهِ نَظَرًا إلَى الْعَقْلِ أَوْ الشَّرْعِ أَوْ إلَيْهِمَا لَا نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ. فَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ مُغَايِرٌ لِلْإِضْمَارِ فَنَقُولُ: إنَّ الْخَلَلَ النَّاشِئَ مِنْ احْتِمَالِ الِاقْتِضَاءِ، مِثْلُهُ النَّاشِئُ مِنْ احْتِمَالِ الْإِضْمَارِ، فَكَانَ ذِكْرُهُ مُغْنِيًا عَنْ ذَلِكَ. وَعِنْدَ التَّحْقِيقِ فَالْعَوَارِضُ الْمُخِلَّةُ بِالْفَهْمِ تَرْجِعُ إلَى احْتِمَالِ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ، وَلِهَذَا اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ عَلَى ذِكْرِهَا؛ لِأَنَّ النَّقْلَ وَالْإِضْمَارَ وَالتَّخْصِيصَ يَرْجِعُ لِلْمَجَازِ، فَإِنَّ الْمَجَازَ يَكُونُ بِالنُّقْصَانِ، وَالْعَامُّ إذَا خُصَّ يَكُونُ مَجَازًا فِي الْبَاقِي عَلَى الصَّحِيحِ. فَإِذَنْ الْمُرَادُ بِالْمَجَازِ الْأَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ لَا الْمُقَابِلُ لِلْإِضْمَارِ وَالتَّخْصِيصِ، فَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمُحْتَمَلَةِ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ الْإِضْمَارِ وَالتَّخْصِيصِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ فَيَنْدَرِجَانِ تَحْتَ مُطْلَقِهِ. وَعَلَى هَذَا فَالْأَحْوَالُ ثَلَاثَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ فِيهَا مِنْ حَيْثُ النَّوْعُ فَلَا شَكَّ أَنَّ أَنْوَاعَ الْمَجَازِ لَا تَنْحَصِرُ فِي خَمْسَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>