أَحَدُهَا: أَنْ يُرَادَ بِهَا الْحَقِيقَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الشَّخْصِ وَالْعُمُومِ، كَقَوْلِك: الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَجَعَلَ مِنْهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى: «غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ» . الثَّانِي: أَنْ يُرَادَ بِهَا الْحَقِيقَةُ بِاعْتِبَارِ قِيَامِهَا بِوَاحِدٍ، وَتُعْرَفُ بِأَنَّهَا إذَا نُزِعَتْ لَا يَحْسُنُ مَوْضِعَهَا " كُلٌّ " كَقَوْلِهِ، تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: ٣٠] أَيْ: جَعَلْنَا مَبْدَأَ كُلِّ حَيٍّ هَذَا الْجِنْسَ الَّذِي هُوَ الْمَاءُ، فَهَذَا النَّوْعُ التَّعْرِيفُ قَرِيبٌ فِي الْمَعْنَى مِنْ النَّكِرَةِ، وَلِهَذَا وُصِفَ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى حَقِيقَةٍ مَعْقُولَةٍ مُتَّحِدَةٍ فِي الذِّهْنِ بِاعْتِبَارِ وَضْعِهِ، فَإِنْ دَلَّ عَلَى تَعَدُّدٍ فَهُوَ بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ لَا بِاعْتِبَارِ مَوْضُوعِهِ، وَإِذَا أُطْلِقَ عَلَى الْوُجُودِ أُطْلِقَ عَلَى غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ. وَيَتَعَيَّنُ فِي بَعْضِ الْمُحَالِ إرَادَةُ الْحَقِيقَةِ مِثْلُ: الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ.
وَالْحَدُّ لِلذِّهْنِيِّ لَكِنْ صِحَّتُهُ عَلَى الْوُجُودِ شَرْطٌ فِيهِ، وَهُوَ فِي بَعْضِهَا اسْتِعْمَالٌ مَجَازِيٌّ، نَحْوُ أَكَلْت الْخُبْزَ وَشَرِبْت الْمَاءَ، لِبُطْلَانِ إرَادَةِ الْجِنْسِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يُرَادَ بِهَا الْحَقِيقَةُ بِاعْتِبَارِ كُلِّيَّةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَتُعْرَفُ بِأَنَّهَا إذَا نُزِعَتْ حَسُنَ أَنْ يَخْلُفَهَا فِي مَوْضِعِهَا لَفْظُ " كُلٍّ " عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ، وَصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ مَصْحُوبِهَا مَعَ كَوْنِهِ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر: ٢ - ٣]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute