وقد نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في " القاعدة الجليلة ".ومما لا شك فيه أن جاهه - صلى الله عليه وآله وسلم - ومقامه عند الله عظيم، فقد وصف الله تعالى موسى بقوله:[وكان عند الله وجيها]، ومن المعلوم أن نبينا محمدا - صلى الله عليه وآله وسلم - أفضل من موسى، فهو بلا شك أوجه منه عند ربه سبحانه وتعالى، ولكن هذا شيء والتوسل بجاهه - صلى الله عليه وآله وسلم - شيء آخر، فلا يليق الخلط بينهما كما يفعل بعضهم، إذ أن التوسل بجاهه - صلى الله عليه وآله وسلم -.
يقصد به من يفعله أنه أرجى لقبول دعائه، وهذا أمر لا يمكن معرفته بالعقل إذ أنه من الأمور الغيبية التي لا مجال للعقل في إدراكها، فلابد فيه من النقل الصحيح الذي تقوم به الحجة، وهذا مما لا سبيل إليه البتة، فإن الأحاديث الواردة في التوسل به - صلى الله عليه وآله وسلم - تنقسم إلى قسمين: صحيح وضعيف، أما الصحيح فلا دليل فيه البتة على المدعى مثل توسلهم به - صلى الله عليه وآله وسلم - في الاستسقاء، وتوسل الأعمى به - صلى الله عليه وآله وسلم - فإنه توسل بدعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - لا بجاهه ولا بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولما كان التوسل بدعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى غير ممكن كان بالتالي التوسل به - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وفاته غير ممكن وغير جائز.
ومما يدلك على هذا أن الصحابة رضي الله عنهم لما استسقوا في زمن عمر توسلوا بعمه - صلى الله عليه وآله وسلم - العباس، ولم يتوسلوا به - صلى الله عليه وآله وسلم -، وما ذلك إلا لأنهم يعلمون معنى التوسل المشروع وهو ما ذكرناه من التوسل بدعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - ولذلك توسلوا بعده - صلى الله عليه وآله وسلم - بدعاء عمه لأنه ممكن ومشروع، وكذلك لم ينقل أن أحداً من العميان توسل بدعاء ذلك الأعمى، ذلك لأن السر ليس في قول الأعمى:" اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة "، وإنما السر الأكبر في دعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - له كما يقتضيه وعده - صلى الله عليه وآله وسلم - إياه بالدعاء له، ويشعر به قوله في دعائه " اللهم فشفعه في " أي اقبل شفاعته - صلى الله عليه وآله وسلم - أي دعاءه في " وشفعني فيه " أي اقبل شفاعتي أي دعائي في قبول