للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقرابته من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من ناحية، ولصلاحه ودينه وتقواه من ناحية أخرى، وطلب منه أن يدعو لهم بالغيث والسقيا. وما كان لعمر ولا لغير عمر أن يدع التوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويلجأ إلى التوسل بالعباس أو غيره لو كان التوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ممكناً، وما كان من المعقول أن يقر الصحابة رضوان الله عليهم عمر على ذلك أبداً، لأن الانصراف عن التوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى التوسل بغيره ما هو إلا كالانصراف عن الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في الصلاة إلى الاقتداء بغيره، سواء بسواء، ذلك أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كانوا يعرفون قدر نبيهم - صلى الله عليه وآله وسلم - ومكانته وفضله معرفة لا يدانيهم فيها أحد، كما نرى ذلك واضحاً في الحديث الذي رواه سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: «أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر، فقال: أتصلي بالناس، فأقيم؟ قال: فصلى أبو بكر، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - والناس في الصلاة، فتخلص حتى وقف في الصف، فصفق الناس، وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة، فلما أكثر الناس التصفيق التفت، فرأى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فأشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن أمكث مكانك، فرفع أبو بكر يديه، فحمد الله عز وجل على ما أمره به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من ذلك، ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف، وتقدم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فصلى ثم انصرف، فقال: «يا أبا بكر: ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟ «قال أبو بكر: ما كان لان أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - " فأنت ترى أن الصحابة رضي الله عنهم لم يستسيغوا الاستمرار على الاقتداء بأبي بكر رضي الله عنه في صلاته عندما حضر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، كما أن أبا بكر رضي الله عنه لم تطاوعه نفسه على الثبات في مكانه مع أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - له بذلك، لماذا؟ كل ذلك لتعظيمهم نبيهم - صلى الله عليه وآله وسلم -، وتأدبهم معه، ومعرفتهم حقه وفضله، فإذا كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لم يرتضوا الاقتداء بغير النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عندما أمكن ذلك، مع أنهم كانوا بدأوا

<<  <  ج: ص:  >  >>