للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخُرِقَت سفينة الشَّريعة، واتُّخذت الاستغاثة بغير الله للنجاة ذريعة، وتَعذَّر على العارفين الأمر بالمعروف، وحالت دون النهي عن المنكر صنوف الحتوف ".

قلتُ: يشير العلاَّمة الآلوسي-رحمه الله-إلى ما يلقاه الدُّعاة المصلحون في كلِّ زمانٍ ومكان من الشِّدة والمعارضة لدعوتهم الحق؛ بسبب فشوِّ الشِّرك والبدع في الناس مٍن عامتهم، وشيوخ البدع من علمائهم، والمنافقين من حُكَّامهم، {وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (يوسف: ٢١).

هذا، وليس غرضي الآن أن أُشبع الكلام في توحيد الربوبية والألوهية وما ينافيهما من الشرك والوثنية؛ فذلك أمرٌ لا تتسع له هذه المقدمة، لا سيما وقد قامَ بذلك خيرَ القيام، أئمة التوحيد وشيوخ الإسلام؛ كالإمام ابن تيمية، وابن قيم الجوزية، ومحمد بن عبد الوهاب، والصنعاني، والشوكاني، وغيرهم من أولي الألباب، وإنما الغرض بيان ارتباط هذه المسألة-"سماع الموتى"-بنوع من أنواع الشِّرك، وأنَّ القضاء عليه يكون بتحقيق أنَّ الموتى لا يسمعون؛ فإني أعلم علم اليقين أنَّ في المستغيثين بالأولياء والصَّالحين من لم يَقُمْ في نفوسهم ما تَقَدَّم بيانه من الضَّلال الأكبر، ولكنَّهم لما كانوا يعتقدون أنَّهم يسمعون كالأحياء، وكان من المسلَّم لديهم مناداتهم والاستغاثة بهم في حياتهم، استجازوا ذلك بهم بعد موتهم! وقد ردَّ الأئمة عليهم بما هو معروف لدى علماء المسلمين من أن الاستغاثة بهم في حياتهم ليست على إطلاقها وشمولها، وإنما هي بما تدخل تحت قدرتهم التي مكَّنهم الله تعالى منها، وليس من ذلك السَّعادة، والرِّزق والشِّفاء، وهداية القلوب، وغفران الذنوب، ونحوه مما هو مُتَعَلِّق بربوبَّيته سبحانه وتعالى؛ فطلبُ ذلك من الأولياء في حياتهم شركٌ وضلال أكبر، مُخِلّ بتوحيد الربوبية بَلهَ الألوهية كما هو ظاهر، فكيف بذلك بعد موتهم؟ لا شك أنَّه أدهى وأمرُّ.

"تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات" (ص٢٤ - ٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>