للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سافرنا مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نزلنا في الوديان والشعاب فقال لنا يوماً: «إنما تفرقكم هذا في الوديان والشعاب من عمل الشيطان» قال أبو ثعلبة: «فكنا بعد ذلك إذا نزلنا في مكان اجتمعنا، أي انضم بعضنا إلى بعض حتى لو جلسنا على بساط لوسعنا»، ولذلك التقارب في الجلوس وعدم ابتعاد الناس بعضهم عن بعض هو اقتراب من الجنة بسبب تعاطي الأسباب التي تؤدي إلى الجنة، أنا أقتبس هذا من مثل قوله عليه السلام: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة» (١) ومن قوله عليه السلام وهو حديث عجيب قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن ربك ليعجب من أقوام يُجرون إلى الجنة في السلاسل» (٢).

يقول أهل العلم: يعني رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بهذا الحديث الأسرى الذين يقعون في أيدي المسلمين فيجرونهم مغللين في السلاسل إلى بلاد الإسلام، وهناك يوزعون حسب التقسيم الشرعي للمكاسب والغنائم على الغارمين، فيدخلون بيوت المسلمين وهم بعد أن كانوا مغللين يصبحون شبه أحرار, أقول: شبه؛ لأنهم في الواقع من حيث حرية العمل حتى بقاء أحدهم على دينه الباطل كانوا أحراراً لكنهم لا يزالون أرقاء, إلا أن الله عز وجل بما أوحى إلى نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - من الأحكام التي وجهها إلى أتباعه عليه السلام من العناية والوصاية الطيبة بالأسرى وبالعبيد صار هؤلاء العبيد كأنهم أحرار، وحسبكم في هذا الصدد دلالة قوله عليه السلام: «أطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون» (٣) إلى آخر الحديث الذي لا أذكره الآن بتمامه (٤) , الشاهد أن هؤلاء الأسرى دخلوا حياة جديدة غير الحياة التي كانوا


(١) صحيح الجامع (رقم٦٢٩٧).
(٢) البخاري (رقم٢٨٤٨).
(٣) مسلم (رقم٤٤٠٣).
(٤) تمامه: «ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم».

<<  <  ج: ص:  >  >>