وقد وجدت طائفة بين هؤلاء وهؤلاء وهم الذين يسمون بالمفوضة، فهم لا يؤمنون مسلمين بالمعاني الظاهرة لأدلة الكتاب والسنة المتعلقة بالصفات مع التنزيه، ولا هم يؤولون كما يفعل الخلف كالذين قلنا فيهم في الأمس القريب إنهم يقولون: إن مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم، فالخلاف ليس في الجزئيات هذا لا يمكن الخلاص منه، وإنما الأصل في القاعدة: ما هي قاعدة السلف؟ هو الإيمان بكل ما جاء عن الله ورسوله إيمانًا بالمعاني الظاهرة المتباينة لغًة في النصوص مع التنزيه، كما في قوله تعالى، هذا دليل يستعمل كثيرًا وهو قوله عز وجل:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}(الشورى:١١) فربنا عز وجل قدم هذه الجملة فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}(الشورى:١١) تنزيهًا ليتبع هذا التنزيه بالإثبات ألا وهو قوله عز وجل: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}(الشورى:١١).
فالآن: إذا أردنا أن نسلك طريقة السلف فما يختلفون في فهم {السَّمِيعُ البَصِيرُ}(الشورى:١١) إطلاقًا؛ لأنهم يعتقدون أن صفة السمع غير صفة البصر، وأن كلًا من هاتين الصفتين كسائر الصفات الإلهية نثبتها كما جاءت مفرقين بين صفة وأخرى منزهين لله تبارك وتعالى، أن يشبه شيئًا من مخلوقاته.
ما هو موقف المعتزلة المعطلة؟ أنهم يقولون: يأخذون بالشطر الأول من الآية: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}(الشورى:١١) تنزيه، لكنهم غلو في التنزيه وعطلوا فقالوا:{وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}(الشورى:١١) أي: العليم، فعطلوا هاتين الصفتين؛ لأن الإنسان سميع وبصير فظنوا أنهم سووا، وظنوا أنهم بسبب فرارهم من إثبات هاتين الصفتين أنهم مع التنزيه دون التعطيل ولم يلاحظوا أن ما منه فروا بزعمهم وقعوا