للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحشره مع من أحب بظاهر حاله، أو يقبل عذره، وما تكاد تجد أحدا من هؤلاء النظار إلا قد فعل ذلك، لكن شرهم والله كثير، فلربما لم يقع خبرهم بمكان، وذلك لأنه لا يفطن لتلك اللمحة الخفية التي دسوها إلا الأذكياء المحيطون بالبحث، وقد أغناهم الله بعلمهم عن تلك اللمحة، وليس بكبير فائدة أن يعلموا أن الرجل كان يعلم الحق ويخفيه. والله المستعان.

ومن الناس من ليس من أهل التحقيق، ولا هيئ للهجوم على الحقائق، وقد تدرب في كلام الناس، وعرف أوائل الأبحاث، وحفظ كثيراً من غثاء ما حصلوه ولكن أرواح الأبحاث بينه وبينها حائل، وقد يكون ذلك لقصور الهمة والاكتفاء والرضا عن السلف لوقعهم في النفوس. وهؤلاء هم الأكثرون عدداً، والأرذلون قدراً، فإنهم لم يحظوا بخصيصة الخاصة، ولا أدركوا سلامة العامة، فالقسم الأول من الخاصة مبتدعة قطعاً، والثاني ظاهره الابتداع، والثالث له حكم الابتداع.

ومن الخاصة قسم رابع ثلة من الأولين، وقليل من الآخرين، أقبلوا على الكتاب والسنة وساروا بسيرها، وسكتوا عما سكتا عنه، وأقدموا وأحجموا بهما وتركوا تكلف مالا يعنيهم، وكان تهمهم السلامة، وحياة السنة آثر عندهم من حياة نفوسهم، وقرة عين أحدهم تلاوة كتاب الله تعالى، وفهم معانيه على السليقة العربية والتفسيرات المروية، ومعرفة ثبوت حديث نبوي لفظاً وحكماً.

فهؤلاء هم السنية حقاً، وهم الفرقة الناجية، وإليهم العامة بأسرهم، ومن شاء ربك من أقسام الخاصة الثلاثة المذكورين، بحسب علمه بقدر بدعتهم ونياتهم.

إذا حققت جميع ما ذكرنا لك، لم يلزمك السؤال المحذور وهو الهلاك على معظم الأمة، لأن الأكثر عدداً هم العامة قديماً وحديثاً، وكذلك الخاصة في

<<  <  ج: ص:  >  >>