للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي أراه أن هذه الكلمة «جاهلية القرن العشرين» لا تخلو من مبالغة في وصف القرن الحالي "القرن العشرين" فوجود الدين الإسلامي في هذا القرن، وإن كان قد دخل فيه ما ليس منه يمنعنا من القول بأن هذا القرن يمثل جاهليةً كالجاهلية الأولى. فنحن نعلم أن الجاهلية الأولى، إن كان المعني بها العرب فقط فهم كانوا وثنيين وكانوا في ضلال مبين، وإن كان المعني بها ما كان حول العرب من أديان كاليهودية والنصرانية فهي أديان محرفة، فلم يبق في ذلك الزمان دين خالص منزه عن التغير والتبديل، فلا شك في أن وصف الجاهلية على ذلك العهد وصف صحيح، وليس الأمر كذلك في قرننا هذا ما دام أن الله تبارك وتعالى قد مَنَّ على العرب أولاً ثم على سائر الناس ثانياً بأن أرسل إليهم محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - خاتم النبيين وأنزل عليه دين الإسلام وهو خاتم الأديان وتعاهد الله عز وجل بحفظ شريعته هذه بقوله عز وجل {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ونبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - قد أخبر أن الأمة الإسلامية وإن كان سيصيبها شيء من الانحراف الذي أصاب الأمم من قبلهم في مثل قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذارع، حتى لو دخلوا جحر ضرب لدخلتموه قالوا من هم يا رسول الله اليهود والنصارى؟ فقال عليه الصلاة والسلام فمن الناس» (١)

أقول وإن كان الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قد أخبر بهذا الخبر المفيد أن المسلمين سينحرفون إلى حد كبير ويقلدون اليهود والنصارى في ذلك الانحراف لكن عليه الصلاة والسلام في الوقت نفسه قد بشر أتباعه بأنهم سيبقون على خطة الذي رسمه لهم فقال عليه الصلاة والسلام في حديث التفرقة: وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة قال عليه الصلاة والسلام كلها في النار إلا واحدة، قالوا: «ما هي يا رسول الله» قال: «هي الجماعة»، وفي رواية قال «هي التي


(١) البخاري (رقم٣٢٦٩) ومسلم (رقم٦٩٥٢) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>