كانوا طائفتين: طائفة تنظر إلى نفسها أنها طائفة عليا، وطائفة أخرى ينظر إليها من الطائفة الأولى بأنها طائفة دنيا، يعني: أشبه ما يكون بالأحرار والعبيد لكن كلهم أحرار، إلا أنهم كانوا ينظرون إلى طائفة نظرة أرستقراطية كما يقولون اليوم، والأخرى نظرة شعبية، يعني: دون أولئك، وترتب من وراء هذا التمايز بين هذه الطائفة وتلك بعض الأحكام في القصاص، فلو أن الطائفة العليا قتلت قتيلاً من الطائفة الدنيا فلا يؤخذ بثأر هذا القتيل، وبالعكس يؤخذ، عاش اليهود ما شاء الله وهم على هاتين القسمتين، إلى أن بعث الله محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - رحمة للعالمين، فوقع في اليهود مشكلة من هذه النوعية، فتنازعت الطائفتان، فبعد أن تناقشوا في الموضوع وتدابروا وتباغضوا اتفقوا على أن يحكموا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهذا من خبثهم وضلالهم؛ لأنهم أولاً: كما قال تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}(البقرة:١٤٦)، ومع ذلك لم يؤمنوا به، وثانياً: مع كفرهم به أرادوا أن يحكموه فما وقع بينهم الخلاف، ولكن فيما بينهم ماذا قالوا؟ هنا الشاهد: قالوا: إن حكم لنا قبلنا حكمه، وإن حكم علينا رفضناه، فأنزل الله عز وجل:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}(المائدة:٤٤).
إذاً: الآية بدلالتيها: بدلالة عموم اللفظ، ودلالة سبب الورود، تدل أنه ليس المقصود بها فقط الملوك والرؤساء، وإنما كل من يحكم بغير ما أنزل الله؛ لأن هؤلاء لما لجؤوا إلى رئيسهم، فالرئيس قال: نحكم محمداً فإن حَكَمَ لنا قبلنا وإلا رفضنا، لا هي الطائفة التي ترى نفسها أعلم من الأخرى هي التي قالت
هكذا. نعم.
مداخلة: يشمل هذا بارك الله فيكم أرباب الأسر وأرباب العمل مثلاً؟