عاملهم الرسول -عليه السلام- هل عاملهم معاملة اليهود والنصارى؟ فرض عليهم الجزية يعطونها ويدفعون عن يد وهم صاغرون؟ أم مشى عليهم أحكام الإسلام؟ مشى عليهم أحكام الإسلام؛ لأنهم شهدوا بألسنتهم، أما قلوبهم فكما قال في الحديث السابق: حسابه عند الله -تبارك وتعالى-، يؤكد لكم هذا المعنى الذي خلاصته أن الإسلام يبني أحكامه على ما يظهر للناس، ولذلك كان من قواعد علماء الفقه والأصول: نحن نحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر.
وهذا مأخوذ من بضعة أحاديث ثابتة في السنة الصحيحة، منها تلك القصة الواردة في كتب السيرة وفي الصحيح -أيضاً- أن رجلاً كان يبارز مشركاً فلما شعر المشرك بأنه صار تحت ضربة السيف وأنه مقتول لا محالة قال: لا إله إلا الله، فالمسلم ما بالاه، قتله، ولما بلغ الخبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أرسل خلفه وقال له:«كيف أنت ولا إله إلا الله»، قال: يا رسول الله ما قالها إلا خوفاً من القتل، وحقيقة الأمر: كل واحد منا فضلاً عن ذاك الصحابي الذي باشر الأمر يشعر تماماً أنه هذا المشرك ما قال هذه الكلمة إلا فراراً من القتل، ولذلك ما اقتنع هذا الصحابي بهذه الشهادة فقتله، مع ذلك فالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قال له:«هلا شققت عن قلبه؟!»، «هلا شققت عن قلبه؟!»؛ إذاً كأنه يقول: ليس لك إلا الظاهر، أما القلوب فلا يعلم ما فيها إلا علام الغيوب -سبحانه وتعالى-.
وحقيقة الأمر أننا في الوقت الذي نتصور ما سبق بيانه أنه من الممكن أن هذا المشرك ما قالها إلا تقية، وإلا خوفاً من القتل، يمكن -أيضاً- أن نلاحظ احتمالاً آخر، وهو أن يكون هذا المشرك معتداً بقوته وشجاعته وبطولته، فلما رأى نفسه مغلوباً، بل ومقتولاً تحت ضربة سيف ذلك الصحابي كأنه تجلى له أن هناك قوة قاهرة مُدّ بها هذا الصحابي حتى تمكن من أن يجعل ذلك المشرك الذي كان