للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في القضية: هل تبين من الحق ثم جحده كما قال تعالى في حق المشركين: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:١٤) وقال في حق اليهود ومعرفتهم بصدق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومع ذلك كفروا به، قال تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقرة:١٤٦).

فإذاً: المناط في المؤاخذة في الخطأ في العقيدة أو في الأحكام ليس هو التفريق بين هذه وهذه، وإنما التفريق بين أن يكون المخطئ قصد الحق بإخلاص وإفراغ الجهد للوصول فيه أو لم يقصد، فعلى هذا يحكم بأنه معاقب عند الله عز وجل أو لا.

ويحضرني بهذه المناسبة حديثان اثنان: أحدهما يتعلق بما ذكر آنفاً في قوله تعالى لليهود: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقرة:١٤٦) ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (١) أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان له غلام من اليهود يخدمه فمرض هذا اليهودي، فعاده عليه الصلاة والسلام فوجده في حضرة الموت فقال له عليه الصلاة والسلام: «قل: لا إله إلا الله» وعند رأس الغلام والده، فرفع بصره إليه كأنه يستشيره يسأله: ما رأيك في قول محمد عليه السلام، فالخبيث أجاب بكلمة حق فقال لابنه: أطع أبا القاسم، فقال الغلام: لا إله إلا الله ومات، فقال عليه الصلاة والسلام: «الحمد لله الذي نجاه بي من النار» الشاهد في هذا الحديث هو كتفسير الآية الكريمة: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقرة:١٤٦) والد هذا الغلام لما رأى ابنه في حضرة الموت ويعرف حقيقة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نبي صادق أراد أن ينقذ ابنه من الورود في العذاب فقال له: أطع أبا القاسم، أما هو نفسه فصدق فيه قوله تعالى:


(١) البخاري (رقم١٢٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>