للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:١٤) فعاش أبوه كافراً وربما مات كذلك، ولكنه نصح ابنه وقال له: أطع أبا القاسم.

هذا الكفر الذي هو الجحد هو الذي يحاسب عليه الإنسان عند الله عز وجل ويكون خالداً مخلداً في النار.

الحديث الثاني: حديث في اعتقادي مهم جداً فيما يتعلق بالكفر وأنه ليس الخطأ في الكفر غير معذور؛ لأنه كفر وإنما المناط كما ذكرنا الجحد، لقد روى البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري وغيره أيضاً قال: «كان رجل فيمن قبلكم لم يعمل خيراً قط، فلما حضرته الوفاة جمع أولاده حوله وقال لهم: أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب، قال: فإني مذنب مع ربي» وهنا يبدأ الشاهد: قال: «فإني مذنب مع ربي ولئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً، فإذا مت فخذوني وحرقوني بالنار، ثم ذروا نصفي في الريح ونصفي في البحر» فلما مات نفذوا فيه هذه الوصية العجيبة الغريبة فقال الله عز وجل لذراته: كوني فلاناً فكانت بشراً سوياً، قال الله عز وجل: «أي عبدي! ما حملك على ما فعلت، قال: يا رب! خشيتك، قال: فقد غفرت لك».

الشاهد: أن هذا الإنسان لا يشك مسلم بأنه قد وقع في الكفر حينما شك في قدرة الله تبارك وتعالى أن يعيده كما كان وهو يستحق العذاب، فصورت له غفلته أن يضيع على ربه بزعمه فأوصى بتلك الوصية الجائرة الغريبة حيث أمر أولاده بأن يحرقوه بالنار وأن يذروا نصفه في الريح الشديدة والنصف في البحر المائل، فما كان ذلك بالذي يضيع على ربه كما قال في القرآن الكريم: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (يس:٧٨) إلى آخر الآيات، تعالى الله عز وجل والله أعلم بما كان، في نفسه من الوازع والدافع الذي دفعه على مثل هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>