وسواء كان هذا أو ذاك؛ فمن المقطوع به أن الرجل لم يصدر منه ما ينافي توحيده، ويخرج به من الإيمان إلى الكفر؛ لأنه لو كان شيء من ذلك لما غفر الله له؛ كما تقدم تحقيقه من ابن عبد البر.
ومن ذلك يتبين بوضوح أنه ليس كل من وقع في الكفر من المؤمنين وقع الكفر عليه وأحاط به. ومن الأمثلة على ذلك: الرجل الذي كان قد ضلت راحلته، وعليها طعامه وشرابه، فلما وجدها قال من شدة فرحه:
"اللهم! أنت عبدي وأنا ربك "! (١).
وفي ذلك كله رد قوي جداً على فئتين من الشباب المغرورين بما عندهم من علم ضحل: الفئة الأولى: الذين يطلقون القول بأن الجهل ليس بعذر مطلقاً؛ حتى ألف بعض المعاصرين منهم رسالة في ذلك!
والصواب الذي تقتضيه الأصول والنصوص التفصيل؛ فمن كان من المسلمين يعيش في جو إسلامي علمي مصفى، وجهل من الأحكام ما كان منها معلوماً من الدين بالضرورة- كما يقول الفقهاء- فهذا لا يكون معذوراً؛ لأنه بلغته الدعوة وأقيمت الحجة.
وأما من كان في مجتمع كافر لم تبلغه الدعوة، أو بلغته وأسلم؛ ولكن خفي
(١) رواه مسلم (٨/ ٩٣)، ومن طريقه البغوي في "شرح السنة" (٥/ ٨٧) وصححه من حديث أنس، وعزاه الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (٤/ ٥) لمسلم من حديث النعمان بن بشير أيضاً بزيادة " اللهم! أنت .. "، وهو وهم؛ فإنه عنده دون الزيادة، وكذلك أخرجه أحمد (٤/ ٢٧٣ و٢٧٥) عن النعمان، والبخاري، ومسلم أيضاً من طريق أخرى عن أنس مختصراً، وأخرجاه من حديث ابن مسعود مطولاً؛ غير أن البخاري أوقفه. ومسلم، وابن حبان (٢/ ٩/ ٦٢٠ - الإحسان)، وأحمد (٢/ ٣١٦ و٥٠٠) عن أبي هريرة مختصراً نحو روايتهما عن أنس. [منه].