العاص- فذكر حديثاً في القدر، وفيه: فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: فأي شيء نعمل إن كان الأمر قد فرغ منه؟ (١)، فهؤلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهم العلماء الفضلاء- سألوا عن القدر سؤال متعلم جاهل؛ لا سؤال متعنت معاند، فعلمهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ما جهلوا من ذلك، ولم يضرهم جهلهم به قبل أن يعلموه، ولو كان لا يسعهم جهله وقتاً من الأوقات؟ لعلمهم ذلك مع الشهادة بالإيمان، وأخذ ذلك عليهم في حين إسلامهم، ولجعله عموداً سادساً للإسلام، فتدبر واستعن بالله.
فهذا الذي حضرني على ما فهمته من الأصول ووعيته، وقد أديت اجتهادي في تأويل حديث هذا الباب كله ولم آلُ، وما أبرئ نفسي، وفوق كل ذي علم عليم. وبالله التوفيق ".
هذا كله كلام الحافظ ابن عبد البر، وهو كلام قوي متين يدل على أنه كان إماماً في العلم والمعرفة بأصول الشريعة وفروعها، جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً.
وخلاصته؛ أن الرجل النباش كان مؤمناً موحداً، وأن أمره أولاده بحرقه ... إنما كان إما لجهله بقدرة الله تعالى على إعادته- وهذا ما أستبعده أنا- أو لفرط خوفه من عذاب ربه، فغطى الخوف على فهمه؛ كما قال ابن الملقن فيما ذكره الحافظ (١١/ ٣١٤)، وهو الذي يترجح عندي من مجموع روايات قصته، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(١) رواه أحمد والترمذي وصححه، وهو مخرج في "الصحيحة " (٨٤٨)، و"المشكاة" (٩٦)، وحديث عمران الذي أشار إليه متفق عليه، وهو مخرج في "ظلال الجنة" (٤١٢ و٤١٣)، وفيه حديث عمر (١٧٠). [منه].