فهل تجد أيها القارئ أثرا للتأويل الذي زعمه أبو زهرة في تفسيره لهذه الأسماء والآيات، أم هو يصرح بأنها كلها حقائق تتناسب مع ذواتها وتختلف حقائقها باختلاف ذواتها، غير أن ما في الأمر أن ما كان منها محسوساً فمن الممكن أن نعرف حقيقته بخلاف ما كان غائباً عنا كصفات الله تعالى بل والجنة والنار فلا نعرف حقيقته، فقد ضرب لك أمثلة توضح للناس هذا الموضوع الخطير الذي كان الجهل به سبباً كبيراً لانحراف الناس في الصفات عن طريق السلف. فنحن جميعاً نقول:" الله موجود " كما نقول: " الخلق موجود "، ووجود كل منهما حقيقة تتناسب مع ذواتهما وتقول:" الله حي " و" وأنا حي " حياة كل منهما حقيقة تتناسب مع ذواتهما، وهكذا طرد ذلك في جميع الأسماء والصفات تجد كلام شيخ الإسلام واضحاً بيناً مقنعاً لكل ذي لب، وإذا كان الشيخ أبو زهرة لم يفهم كلام ابن تيمية وبناءً عليه نسب إليه التأويل خطأً، فهذا الخطب فيه سهل جداً بالنسبة لخطأ آخر في كلامه السابق فإنه إذا كان يعتقد " أن هذه الألفاظ وضعت في أصل معناها لهذه المعاني الحسية، ولا تطلق على وجه الحقيقة على سواها، وإذا أطلق على غيرها سواء أكان معلوماً أم مجهولاً فإنها قد استعملت في غير معناها ... " إلخ كلامه السابق.
أقول: إذا كان الشيخ يعتقد هذا فإن معنى كلامه - لو كان يدري ما يقول - وهو يجادل شيخ الإسلام متأثراً بعلم الكلام: أن وجود المخلوق وحياته وعلمه واستواؤه وغير ذلك كله حقيقة، وأما وجود الخالق سبحانه وحياته وعلمه واستواءه وغير ذلك من صفاته فهي مجاز وليست بحقيقة، ولازمه أن الله غير موجود، وليس بحي، ولا هو يعلم، ولا هو مستو على العرش، ولا ولا ... إلخ ما هنالك من أساليب معروفة يقول بها الفلاسفة وبعض من تأثر بهم من المعتزلة