هنا يظن علماء الكلام أنهم إذا نفوا أن يكون الله في السماء أنهم نزهوه، هم في الحقيقة نزهوه عن فهمهم الخطأ للآية، لكن قد أنكروا أن يقولوا كما قال الله: الله في السماء، فجهلوا معنى أن الله في السماء أنه على السماء، وفي ذلك أو في هذه الحالة يلتقي معنى هذه الآية مفسراً بالحديث السابق:«ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»، من في الأرض ليس المقصود من كان في جوف الأرض من ديدان وحشرات وو إلى آخره، وإنما المعنى واضح جداً من على الأرض، من تتعاملون معهم من بني جنسكم من الإنس أو مما ذلل الله لكم من الحيوانات .. ارحموا من على الأرض يرحمكم من في السماء، أي من على السماء حينئذ هذا التفسير الذي يُوضِّحه هذا الحديث يلتقي تماماً مع كل الآيات التي ذكرنا بعضها وأحاديث أخرى أن الله عز وجل له صفة العلو، فحينما نوجه السؤال إلى هؤلاء الأحباش أو غيرهم ممن هم على شاكلتهم في ضلالهم أين الله؟ يجب أن يكون جوابهم كما قالت الجارية: الله في السماء، لكن ليس بمفهومهم "في" ظرفية؟ لا، وإنما بالمفهوم الذي وضحه الحديث أولاً وكان عليه سلفنا الصالح ثانياً؛ أي: أن الله في السماء أي على السماء، أي على العرش؛ لأن كل ما علاك فهو سماء، فحينئذ تسد الطرق كلها أمام هؤلاء الأحباش الذين يظنون أولاً أنه لا يجوز أن يسأل المسلم أين الله، وثانياً يظنون أنه لا يجوز أن يقول أن الله في السماء بعد أن تبين لهم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هو الذي سَنَّ هذا السؤال: أين الله؟ وهو الذي شهد لتلك الجارية بالإيمان حينما نطقت بلفظ القرآن: الله في السماء.
وهنا عبرة لا بد من أن أذكرها وهي .. يتبين لنا الفرق بين الحياة التي كان يعيشها عامة المسلمين في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى الجارية راعية الغنم، وبين ما يعيشه اليوم عامة المسلمين وكثير من خاصتهم؛ لأن هذا السؤال لو وُجِّه إلى كثير