قالوا:"لا فوق ولا تحت ... " إلخ فحق فيهم قول بعضهم: " المعطل يعبد عدماً، والمجسم يعبد صنماً "، يشير بذلك إلى الجهمية المعطلة النفاة، وإلى المجسمة الممثلة الذين يثبتون الصفات مع التجسيم والتشبيه، والحل وسط بينهما كما تقدم.
ومع خطورة هذه المسألة وبالغ أهميتها وشدة الخلاف القائم فيها بين أهل السنة من جهة والجهمية والمعتزلة وغيرهم من النفاة من جهة أخرى حتى قال ابن القيم رحمه الله تعالى في " الجيوش الإسلامية "(ص ٩٦):
" بل الذي بين أهل الحديث والجهمية من الحرب أعظم مما بين عسكر الكفر وعسكر الإسلام "
أقول: مع هذا كله نرى أغلب الدعاة الإسلاميين اليوم لا يقيمون لهذه المسالة ولا لأمثالها من مسائل الاعتقاد وزناً، ولا يلقون لها باًلا، فلا تسمع لها في محاضراتهم ولا في مجالسهم الخاصة فضلاً عن العامة ذكراً، ويكتفون من المدعوين أن يؤمنوا إيماناً مجملاً؛ ألا ترى إلى ذلك الدكتور الذي قال في مقدمة رسالة " باطن الإثم " وهو يرسم للمسلمين المتفرقين المتدابرين الدواء بزعمه:
" وما أظن إلا أننا جميعا مؤمنون بالله إلها واحداً لا شريك له، بيده الخير والملك، وهو على كل شيء قدير "
نعم نحن مؤمنون بالله ... ولكن إيمان المؤمنين يختلف بعضه عن بعض أشد الاختلاف، وما نحن فيه من صفة العلو أوضح مثال فإن كان الدكتور يعتقدها على طريقة السلف المثبتين لها بدون تشبيه ولا تعطيل؛ فالناس الذين وضع لهم هذه الرسالة لا يشاركونه في ذلك الاعتقاد إن كان هو ليس شريكاً لهم في اعتقادهم،