فماذا يفيد هذا الإيمان وهو ليس على ما شرعه الله وبينه، وقد أشار إلى هذه الحقيقة الإمام أبو محمد الجويني في مقدمة رسالته السابقة " الاستواء والفوقية " بعد أن ذكر الله تعالى ببعض صفاته كالسمع والبصر والكلام واليدين والقبضتين:
" استوى على عرشه فبان من خلفه، لا يخفى عليه منهم خافية، علمه بهم محيط وبصره بهم نافذ، وهو في ذاته وصفاته لا يشبهه شيء من مخلوقاته، ولا يمثل بشيء من جوارح مبتدعاته، هي صفات لائقة بجلاله وعظمته لا تتخيل كيفيتها الظنون، ولا ترها في الدنيا العيون، بل نؤمن بحقائقها وثبوتها واتصاف الرب تعالى بها، وننفي عنها تأويل المتأولين، وتعطيل الجاحدين، وتمثيل المشبهين، تبارك الله أحسن الخالقين، فبهذا الرب نؤمن، وإياه نعبد، وله نصلي ونسجد، فمن قصد بعبادته إلى إله ليست له هذه الصفات فإنما يعبد غير الله، وليس معبوده ذلك بإله ".
والإمام الجويني رحمه الله تعالى حينما يقول ذلك، ويُصدِر هذا الحكم العدل على النفاة إنما تلقى ذلك عن أئمة السلف (١) فسيأتي في ترجمة الإمام عبد الله بن المبارك قوله في الجهمية: " إنهم يزعمون أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء "، في ترجمة عباد بن العوام:" آخر كلامهم ينتهي أن يقولوا ليس في السماء شيء أرى أن لا يناكحوا أو يتوارثوا "، ونحوه في ترجمة عبد الرحمن بن مهدي، ووهب بن جرير، والقعنبي، وأبو معمر القطيعي، وغيرهم من الأئمة، لكنهم لا
(١) وهذا معنى ما جاء في رسالة " المعرفة " للشيخ عبد الكريم الرفاعي رحمه الله (ص ١٢): " ومن اعتقد اعتقاداً غير مطابقاً للواقع كاعتقاد النصارى بالتثليث والوثنية بالتجسيم وغير ذلك من المعتقدات الباطلة فهو كافر بإجماع المسلمين ". [منه].