ومعلوم أن البلاغ: هو الذي تقوم به الحجة على المبلَّغ، ويحصل به العلم، فلو كان خبر الواحد لا يحصل به العلم لم يقع به التبليغ الذي تقوم به حجة الله على العبد، فإن الحجة إنما تقوم بما يحصل به العلم، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يرسل الواحد من أصحابه يبلِّغ عنه، فتقوم الحجة على من بلغه، وكذلك قامت حجته علينا بما بلغنا العدولُ الثقات من أقواله وأفعاله وسنته، ولو لم يفد العلم، لم تقم علينا بذلك حجة، ولا على من بلغه واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو دون عدد التواتر، وهذا من أبطل الباطل.
الوجه السادس: أننا نعلم يقيناً أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يبعث أفراداً من الصحابة إلى مختلف البلاد ليعلِّموا الناس دينهم، كما أرسل علياً ومعاذاً وأبا موسى إلى اليمن في نوبات مختلفة، ونعلم يقيناً أيضاً أن أهم شيء في الدين إنما هو العقيدة، فهي أول شيء كان أولئك الرسل يدعون الناس إليه، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لمعاذ:«إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل» وفي رواية: «فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله»، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات .... ) الحديث متفق عليه، واللفظ لمسلم.
فقد أمره - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يبلغهم قبل كل شيء عقيدة التوحيد، وأن يعرفهم بالله عز وجل، وما يجب له وما ينزه عنه، فإذا عرفوه تعالى بلغهم ما فرض الله عليهم، وذلك ما فعله معاذ يقيناً، فهو دليل قاطع على أن العقيدة تثبت بخبر الواحد، وتقوم به الحجة على الناس، ولولا ذلك لما اكتفى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بإرسال معاذ وحده وهذا بين ظاهر، والحمد لله.
الوجه السابع: أن القول المذكور يستلزم تفاوت المسلمين فيما يجب عليهم اعتقاده، مع بلوغ الخبر إليهم جميعاً، وهذا باطل أيضاً.