أن من مقاصد الشارع تهذيب الألفاظ أيضاً، فبدل من أن نقول: الله موجود في كل الوجود، الله موجود في كل مكان، ونحن نقصد علمه، نقول: أحاط بكل شيء علماً؛ لأن العبارة الأولى:(الله موجود في كل الوجود) تتصل بعقيدة غلاة الصوفية الذين يقولون: لا هو إلا هو، فليس هناك خالق ومخلوق، وكما قال قائلهم:
لما عبد المجوس النار ما عبدوا إلا الواحد القهار
لأن النار والجنة، خالق، ومخلوق، كل هذه أشياء لا حقيقة لها، وباختصار قولهم: لا هو إلا هو، يقولون: كل ما تراه بعينك فهو الله!
فإذاً: لا ينبغي للمسلم أن يتكلم بالكلمة يضطر بعدها إلى أن يتأولها، قلها صريحة وليس بعد القرآن أفصح منه:{أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}(الطلاق:١٢)، أما تتكلم الكلمة وتقول بعد ذلك: والله أنا أقصد كذا وكذا، قال عليه الصلاة والسلام وهذا من تأديبه إيانا، لو أطعناه لنجحنا:«لا تَكَلَّمَنَّ بكلام تعتذر به عند الناس»(١).
(لا تكلمن) أي لا تتكلمن. (بكلام تعتذر به عند الناس).
والرواية الأخرى أقصر من هذا:«إياك وما يعتذر منه».
فلا تقل: الله موجود في كل مكان، والله موجود في كل الوجود، ستأتيك اعتراضات وانتقادات لا قِبَل لك بردِّها، سيقال لك: المكان الذي يضطر المسلم أن يدخله مرتين أو ثلاثة، ويتمنى أن لا يدخل ذلك المكان، هل ربك هناك أيضاً؟! وقس على ذلك الكهاريج والمجاري و .. إلى آخره، ما يقول المسلم بهذا.