للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"لو لم يتصف بالكلام لاتصف بالخرس والسكوت " إنما يعقل في الكلام بالحروف والأصوات؛ فإن الحي إذا فقدها لم يكن متكلماً, فإما أن يكون قادراً على الكلام ولم يتكلم وهو الساكت, وإما أن لا يكون قادراً عليه وهو الأخرس, وأما ما يدعونه من الكلام النفساني فذاك لا يعقل أن من خلا عنه كان ساكتا أو أخرس فلا يدل بتقدير ثبوته على أن الخالي عنه يجب أن يكون ساكتاً أو أخرس, وأيضاً فالكلام القديم النفساني الذي أثبتموه لم تثبتوا ما هو؟ بل ولا تصورتموه, وإثبات الشيء فرع تصوره, فمن لم يتصور ما يثبته كيف يجوز أن يثبته؟ ولهذاكان أبو سعيد بن كلاب رأس هذه الطائفة (يعني الأشاعرة) وإمامها في هذه المسألة لا يذكر في بيانها شيء يعقل بل يقول هو: معنى يناقض السكوت والخرس, والسكوت والخرس إنما يتصوران إذا تصور الكلام, فالساكت هو الساكت عن الكلام, والأخرس هو العاجز عنه أو الذي حصلت له آفة في محل النطق تمنعه عن الكلام, وحينئذ فلا يعرف الساكت والأخرس حتى يعرف الكلام ولا يعرف الكلام حتى يعرف الساكت والأخرس.

فتبين أنهم لم يتصوروا ما قالوه, ولم يثبتوه بل هم في الكلام يشبهون النصارى في (الكلمة) وما قالوه في (الأقانيم) و (التثليث) و (الاتحاد) فإنهم يقولون ما لا يتصورونه ولا يبينونه والرسل عليهم السلام إذا أخبروا بشيء ولم نتصوره وجب تصديقهم.

وأما ما يثبت بالعقل فلابد أن يتصوره القائل به, وإلا كان قد تكلم بلا علم, فالنصارى تتكلم بلا علم, فكان كلامهم متناقضاً, ولم يحصل لهم قول معقول, كذلك من تكلم في كلام الله تعالى بلا علم كان كلامه متناقضاً ولم يحصل له قول يعقل, ولهذا كان مما يشنع به على هؤلاء أنهم احتجوا في أصل دينهم ومعرفة

<<  <  ج: ص:  >  >>