لقد كان الذين يتولون القراءة على المصروعين أفرادا قليلين صالحين فيما مضى، فصاروا اليوم بالمئات، وفيهم بعض النسوة المتبرجات، فخرج الأمر عن كونه وسيلة شرعية لا يقوم بها إلا الأطباء عادة، إلى أمور ووسائل أخرى لا يعرفها الشرع ولا الطب معاً، فهي - عندي - نوع من الدجل والوساوس يوحي بها الشيطان إلى عدوه الإنسان {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}، وهو نوع من الاستعاذة بالجن التي كان عليها المشركون في الجاهلية المذكورة في قوله تعالى:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}. فمن استعان بهم على فك سحر - زعموا - أو معرفة هوية الجني المتلبس بالإنسي أذكر هو أم أنثى؟ مسلم أم كافر؟ وصدقه المستعين به ثم صدق هذا الحاضرون عنده، فقد شملهم جميعاً وعيد قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد "، وفي حديث آخر:" .. لم تقبل له صلاة أربعين ليلة "(١). فينبغي الانتباه لهذا، فقد علمت أن كثيراً ممن ابتلوا بهذه المهنة هم من الغافلين عن هذه الحقيقة، فأنصحهم - إن استمروا في مهنتهم - أن لا يزيدوا في مخاطبتهم على قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: " اخرج عدو الله "، مذكرا لهم بقوله تعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم}(النور:٦٣). والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
"الصحيحة"(٦/ ٢/٩٩٩ - ١٠١٠).
(١) رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " غاية المرام " (رقم ٢٨٤) ورواه الطبراني من طريق أخرى بقيد: " غير مصدق لم تقبل ... "، وهو منكر بهذه الزيادة، ولذلك خرجته في " الضعيفة " (٦٥٥٥). والحديث الذي قبله صحيح أيضا، وهو مخرج في " الإرواء "برقم (٢٠٠٦) وفي غيره. اهـ. [منه].