الحديث صريح بخلاف ما نسب إلى موسى عليه السلام، ألا وهو قوله عليه السلام:"فالآن من قريب ". فتعامى الرجل عنه، وتشبث باللطم المذكور في أوله، ولم ينظر إلى نهاية القصة، فمثله كمثل من يَرُدُّ قوله تعالى:{فويل للمصلين} بزعم أنه يخالف الآيات الآمرة بالصلاة، ولا ينظر إلى ما بعده:{الذين هم عن صلاتهم ساهون} هذا من جهة.
ومن جهة أخرى؛ فإن الرجل بنى ردَّهُ للحديث على زعمه أن موسى عليه السلام كان عارفاً بملك الموت حين لطمه! وهذا من تمام جهله وإعراضه عن كلام العلماء الذي نقله (ص ٢٨): "أن موسى لم يعلم أنه ملك من عند الله، وظن أنه رجل قصده يريد قتله، فدافعه عنه، فأدت المدافعة إلى فقءِ عينه ".
ومع أن هذا الكلام يدل عليه تمام القصة كما قدمتُ، ويؤكده قوله في أول الحديث:"أن ملك الموت كان يأتي الناس عياناً"،أي: في صورة البشر، وفقءِ عينه وردها إليه مما يقوي ذلك.
أقول: مع هذا كله، استكبر الرجل ولم يرد على علماء الأمة إلا بقوله الذي لا يعجز عن مثله أيُّ مُبطِلٍ غريق في الضلال:
"نقول نحن (!): هذا الدفاع كله خفيف الوزن، وهو دفاع تافه لا يساغ "! وإن من ضلال الرجل وجهله قوله (ص ٢٧): "ثم، هل الملائكة تعرض لهم العاهات التي تعرض للبشر من عَمَى أو عَوَر؟! ذاك بعيد"!
فأقول: وهذا من الحجة عليك، الدالة على قلة فهمك؛ فإن هذا الذي استبعدتهُ مما جعل العلماء يقولون في دفاعهم: إن موسى لم يعلم أنه ملك، أفما آن لك أن تعقل؟!!