ثم ختم ضلاله في هذا الحديث وطعنه فيه بقوله:"والعلة في المتن يبصرها المحققون (!) وتخفى على أصحاب الفكر السطحي "! فيا له من مغرور أهلكه العجب لقد جعل! نفسه من المحققين، وعلماء الأمة من "أصحاب الفكر السطحي "! والحقيقة أنه هو العلة؛ لجهله وقلة فهمه إن لم يكن فيه ما هو أكثر من ذلك مما أشار إليه الكفار وهم يعذَّبون في النار:{لو كنا نسمعُ أو نعقِلُ ما كنا في أصحاب السَّعير}؛ نسأل الله حسن الخاتمة والوفاة على سبيل المؤمنين.
وأرى من تمام الفائدة أن أنقل إلى القراء الكرام كلام إمامين من أئمة المسلمين وحفاظ الحديث، فيه بيان الحكمة من تحديثه - صلى الله عليه وآله وسلم - بهذا الحديث، قال ابن حبان عقب الحديث:"إن الله جل وعلا بعث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - معلماً لِخلقِهِِ، فأنزله موضع الإبانة عن مراده، فبلَّغ - صلى الله عليه وآله وسلم - رسالته، وبّين عن آياته بألفاظ مجملة ومفسرة، عقلها عنه أصحابه أو بعضهم، وهذا الخبر من الأخبار التي يدرك معناه من لم يُحرَمِ التوفيق لإصابة الحق، وذاك أن الله جل وعلا أرسل ملك الموت إلى موسى رسالة ابتلاء واختبار، وأمره أن يقول له: "أجب ربك ": أمر اختبار وابتلاء، لا أمراً يريد الله جل وعلا إمضاءه؛ كما أمر خليله صلى الله على نبينا وعليه بذبح ابنه أمر اختبار وابتلاء، دون الأمر الذي أراد الله جل وعلا إمضاءه، فلما عزم على ذبح ابنه (وتلّه للجبين)؛ فداه بالذِّبح العظيم.
وقد بعث الله جل وعلا الملائكة إلى رسله في صور لا يعرفونها؛ كدخول الملائكة على رسوله إبراهيم ولم يعرفهم؛ حتى أوجس منهم خيفة، وكمجيء جبريل إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وسؤاله إياه عن الإيمان والإسلام، فلم يعرفه المصطفى حتى ولَّى.