سَعَى} (النجم:٣٩) فإنسان أمر بأداء فريضة ما .. فريضة الحج أو الصيام أو الصلاة أو ما شابه ذلك، وكان مستطيعاً لكل ذلك ثم لم يفعل فمعنى ذلك أنه لم يتزك بالقيام بهذه الفرائض، والله عز وجل يقول:{وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ}(فاطر:١٨) فحينئذٍ من يزكيه بعد أن جاءه اليقين؟! وانتقل إلى رحمة رب العالمين أو إلى عذابه الأليم حسب ما يشاء الله عز وجل أن يعامله به.
من الذي يزكيه؟ {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}(النجم:٣٩) ولذلك قال ذلك الصحابي الجليل: "لا يحج أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد" أي: هذا في الفرائض؛ ولذلك فرجل مات ولم يؤد فريضة الحج التي كانت فرضت عليه فلا يستطيع أحد أولاده أن يحج بدلاً عنه فضلاً عما جاء في السؤال مما هو أعم مما قلت، أي: لا يستطيع أن يحج أحد من أفراد ذريته، فهذا قد يكون في الذرية أخ، وقد يكون في الذرية زوجة وإلى آخره، فإذا كان الولد لا يستطيع أن يحج عن أبيه فمن باب أولى أن لا يستطيع من هو أبعد عن هذا الأب من ابنه.
وهنا قد يرد في البال كيف يقال:«لا يصوم أحد عن أحد» ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول في الحديث الصحيح:«من مات وعليه صيام صام عنه وليه»؟ إذاً: هذا كأنه يعارض ذاك الذي قلته آنفاً.
الجواب: الحديث إنما يراد به من مات وعليه صيام نذر وليس صيام فريضة، أي: هو نذر على نفسه نذراً ما كان الله عز وجل فرضه عليه إلا بفرضه هو بهذا الصيام على نفسه .. هذا الذي لولي الميت أن يصوم عنه؟ من أين أخذنا هذا القيد؟ هنا مسألة تتعلق بقاعدة فقهية أصولية وهي: الراوي أدرى بمرويه من غيره، الراوي - أي: في الحديث - أدرى بمرويه من غيره .. هذه القاعدة معشر طلاب العلم! إذا فهمتموها ورسخت في أذهانكم ساعدتكم على فهم بعض المسائل الخلافية بين العلماء فمهاً صحيحاً.