وفي هذا الحديث والذي قبله كراهة تزويق المساجد، وتزيينها بالنقوش والحمرة والصفرة، وكل ما يلهي المصلي ويشغله عن الخشوع الذي هو روح جسم العبادة، كما قال الصنعاني، وفوق هذا ففيه إضاعة المال بدون أية فائدة للمسجد، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال، وذلك أنه ليس المقصود من بناء المساجد إلا أن تَكِنّ الناس من الحر والقر كما سبق عن عمر رضي الله عنه، وزخرفتها ليس من ذلك في شيء، ولذلك نهى عنه عمر رضي الله عنه بقوله:"وإياك أن تحمر أو تصفر". قال ابن بطال:
" كأن عمر فهم ذلك من رد الشارع الخميصة إلى أبي جهم من أجل الأعلام التي فيها، وقال: " إنها ألهتني عن صلاتي».
قال الحافظ:«ويحتمل أن يكون عند عمر من ذلك علم خاص بهذه المسألة». ثم ذكر الحديث المتقدم قريبا عن عمر مرفوعا بلفظ:«ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم».
وقد روى البخاري، وأبو داود، وأحمد، وعنه البيهقي، عن ابن عمر رضي الله عنه: أن المسجد كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مبنيًّا باللبن، وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً، وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - باللبن والجريد، وأعاد عمده خشباً، ثم غيره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة (الجص) وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج.
قال الحافظ:"و (الساج): نوع من الخشب معروف يؤتى به من الهند، وقال ابن بطال وغيره:" هذا يدل على أن السنة في بنيان المسجد القصد، وترك الغلو في