تحسينه، فقد كان عمر مع كثرة الفتوح في أيامه وسعة المال عنده لم يغير المسجد عما كان عليه، وإنما احتاج إلى تجديده؛ لأن جريد النخل كان قد نخر في أيامه، ثم كان عثمان - والمال في زمانه أكثر - فحسنه بما لا يقتضي الزخرفة، ومع ذلك فقد أنكر بعض الصحابة عليه كما سيأتي بعد قليل.
وأول من زخرف المساجد الوليد بن عبد الملك بن مروان، وذلك في أواخر عصر الصحابة، وسكت كثير من أهل العلم عن إنكار ذلك خوفاً من الفتنة. . . وقال ابن المنير: لما شيد الناس بيوتهم وزخرفوها ناسب أن يصنع ذلك بالمساجد صوناً لها عن الاستهانة، وتعقب بأن المنع إن كان للحث على اتباع السلف
في ترك الرفاهية فهو كما قال، وإن كان لخشيته شغل بال المصلي بالزخرفة فلا لبقاء العلة، وفي حديث أنس علم من أعلام النبوة لإخباره - صلى الله عليه وآله وسلم - بما سيقع فوقع كما قال".
قال الشوكاني:
"ومن جملة ما عول عليه المجوزون للتزيين بأن السلف لم يحصل منهم الإنكار على من فعل ذلك، وبأنه بدعة مستسحسنة، وبأنه مرغب إلى المسجد، وهذه حجج لا يعول عليها من له حظ في التوفيق، لا سيما مع مقابلتها للأحاديث الدالة على أن التزيين ليس من أمر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأنه نوع من المباهاة المحرمة، وأنه من علامات الساعة كما روي عن علي عليه السلام، وأنه من صنع اليهود والنصارى، وقد كان - صلى الله عليه وآله وسلم - يحب مخالفتهم ويرشد إليها عموماً وخصوصاً، ودعوى ترك إنكار السلف ممنوعة؟ لأن التزيين بدعة أحدثها أهل الدول الجائرة من غير مؤاذنة لأهل العلم والفضل، وأحدثوا من البدع ما لا يأتي عليه الحصر، ولا ينكره أحد، وسكت العلماء عنهم تقية لا رضا، بل قام في وجه باطلهم جماعة