الحق، وانتشاره من جديد على أيدٍ مُخْلِصةٍ تعمل على تخليص المجتمع الإنساني من الشرور والآثام؟ رأيان (!) ذهب إلى كل منهما فريق من العلماء (!).
وهذا هو ما يقال بالنسبة إلى الدجال: هل هو شخص من لحم ودم ينشر الفساد، ويهدد العباد، ويملك وسائل الترغيب والترهيب والإفساد؛ حتى يقيّض له عيسى عليه السلام فيقتله؟ أم إنه رمز لانتشار الشر، وشيوع الفتنة، وضعف نوازع الفضيلة، تهبُّ عليه ريح الخير المرموز إليها بعيسى عليه السلام، فتذهبه وتقضي عليه، وتأخذ بيد الناس إلى محجة الخير ومنهج العدل والتديّن؟ "! (١).
قلت: ولا يكتفي هذا الأزهري "الفهيم" بهذا التعطيل لنصوص السنة وتأويلها - على طريق الرمز الذي هو مذهب الباطنية الملحدة؛ كما سبق حكايته عن السيد رشيد رضا نفسه - بل إنه يوهم القراء بأن هذا التعطيل هو رأي لبعض العلماء يقابل الرأي الأول! والحقيقة أنه لم يقل به أحد ممن له ذكر بالعلم في أهل الحديث والسنة، وإنما قال به بعض الخوارج والمعتزلة من الفرق الضالة؛ قال القاضي عياض:
"في هذه الأحاديث حجة لأهل السنَّة في صحة وجود الدجال، وأنه شَخْصٌ مُعَيَّنٌ يبتلي الله به العباد، ويُقَدِّرُه على أشياء؛ كإحياء الميت الذي يقتله ... وظهور الخصب، والأنهار والجنة والنار، واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء فتمطر، والأرض فتنبت ... ، وكل ذلك بمشيئة الله، ثم يعجزه، فلا يقدر على قتل الرجل ولا غيره، ثم يبطل أمره، ويقتله عيسى ابن مريم، وقد خالف في ذلك بعض الخوارج والمعتزلة والجهمية؛ فأنكروا وجوده، وردوا الأحاديث الصحيحة"!