والجن لا بد لهم من هذا الدخول، لكن بعد أن يتحقق هذا القسم الإلهي من الدخول هناك بعد ذلك سرعان ما يتميز الصالح من الطالح .. الصالح لائق بدخول الجنة .. الطالح لائق بدخول النار.
ويفسر هذا الكلام حديث أذكره لما فيه من بيان وتفصيل، لكن لا بد لي من أن أقرن بذلك أن هذا الحديث لم يصح من حيث إسناده؛ لأنه على شهرته ينبغي أن نذكره تنبيهًا على ضعفه لكن معناه مقبول في حدود ما جاء من الأدلة، ذلك الحديث يرويه بعض التابعين من المجهولين وهو العلة، عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه لقيه في طريقه قال: كنا في مجلس ذكرت فيه هذه الآية: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}(مريم:٧١) قال: فاختلفنا وذكر الأقوال الثلاثة، فما كان من جابر كما تقول الرواية على ضعفها: إلا أن وضع أصبعيه في أذنيه وقال: صمتا .. صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول:«لا يبقى بر ولا فاجر إلا ويدخلها ثم تكون بردًا وسلامًا على المؤمنين كما كانت على إبراهيم» إذًا: هذا الدخول المذكور في هذه الآية والمفسر أيضًا في حديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «» لا يدخل النار أحد من أهل بدر وأصحاب الشجرة، قالت: كيف هذا يا رسول الله والله عز وجل يقول: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}(مريم:٧١)؟!».
هنا ملاحظة ومهمة من حيث أنها تساعد طالب العلم على فهم النصوص الشرعية: نجد هنا السيدة حفصة رضي الله عنها كأنها تريد أن تقول: إن الذي تقوله يا رسول الله خلاف ما أفهم من الآية، فكيف التوفيق بين هذه الآية حسب فهمي - أي: حفصة - وبين ما تقول يا رسول الله؟ فقال لها بكل هدوء ولطف كما هو شأنه عليه السلام وديدنه، قال: اقرئي ما بعدها: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ