الثالث: حديث ذبح الموت بين الجنة والنار وقد جاء عن جمع من الصحابة كابن عمر وأبي هريرة وأبي سعيد وغيرهم في " الصحيحين " وغيرهما فلنذكر حديثين منها:
أحدهما: عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال:«يدخل الله أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت، كل خالد فيما هو فيه» أخرجه الشيخان. والآخر: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «يؤتى بالموت يوم القيامة فيوقف على الصراط فيقال: يا أهل الجنة، فيطلعون خائفين وجلين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه، ثم يقال: يا أهل النار فيطلعون مستبشرين فرحين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه، فيقال: هل تعرفون هذا؟ قالوا: نعم هذا الموت، قال: فيؤمر فيذبح على الصراط ثم يقال للفريقين كلاهما: خلود فيما تجدون لا موت فيها أبدا». أخرجه ابن ماجه بإسناد جيد كما قال المنذري وصححه ابن حبان (٢٦١٤) وأحمد (٢/ ٢٦١).
قلت: ففي الحديث دلالة قاطعة على بطلان دعوى فناء النار؛ لأنه جعلها كالجنة من حيث خلود أهلها فيما هم فيه من العذاب إلى الأبد، فكما أن الجنة لا تفنى أبداً فكذلك النار لا تفنى أبداً، وكل ذلك واضح بين إن شاء الله تعالى.
بعد هذا أعود فأقول: إن ما تقدم من الآيات والأحاديث صريحة في الدلالة على بطلان القول بفناء النار، فكيف ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وانتصر له تلميذه ابن قيم الجوزية؟ فأقول: إن أحسن ما أجد في نفسي من الجواب عنهما إنما هو أنه لما توهما أن بعض الصحابة قد ذهبوا إلى ذلك، وهم قدوتنا جميعاً لو صح ذلك عنهم روايةً ودرايةً ولم يصح كما سيأتي بيانه عند المؤلف الصنعاني رحمه الله، واقترن مع ذلك غلبة الخوف عليهما من الله {ولمن خاف مقام ربه