فإن المعروف عنه رحمه الله أنه يقول بموت الخضر عليه السلام, كما هو قول كثير من الأئمة كالإمام البخاري، وقد صرح بذلك في كثير من رسائله وفتاويه فقال في " زيارة بيت المقدس "(٢٧/ ١٨):
" وكذلك الذي يرون الخضر أحياناً هو جني لبس على المسلمين الذي رأوه، وإلا فالخضر الذي كان مع موسى عليه السلام مات، ولو كان حياًّ على عهده رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لوجب عليه أن يأتي إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ويؤمن به ويجاهد معه. . . ولم يذكر أحد من الصحابة أنه رأى الخضر، ولا أنه أتى إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإن الصحابة كانوا أعلم وأجل قدراً من أن يلبس الشيطان عليهم، ولكن لبس على كثير ممن بعدهم. . . ".
وقال في موضع آخر (٢٧/ ١٠٠): "والصواب الذي عليه المحققون أنه ميت، وأنه لم يدرك الإسلام، ولو كان موجوداً في زمن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لوجب أن يؤمن به ويجاهد معه. . . وإذا كان الخضر حياً دائماً فكيف لم يذكر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ذلك قط، ولا أخبر به أمته ولا خلفاؤه الراشدين؟ "
قلت: حتى ولا ذكر ذلك لأمين سره حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، فمن ذا الذي يدعي بعد ذلك أنه علمه ما لم يعلم هؤلاء الأجلة العظماء رضي الله عنهم.
وقد صرح ابن تيمية بموت الخضر في مواطن أخرى كثيرة فانظر مثلاً (١/ ٢٤٩) من " المجموع "، أليس في ذلك دليل واضح على أن فتواه الأولى بحياة الخضر كانت في أول أمره ولا سيما وقد احتج لها بحديث الشافعي وهو موضوع كما هو مبين في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " برقم (٥٢٠٤) فيه القاسم بن عبد الله العمري قال أحمد: " كان يكذب ويضع الحديث ".