ومن ذلك أنه كان يفتي بنجاسة الزيت ونحوه إذا وقعت فيه نجاسة مثل الفأرة الميتة، كما هو مذهب الشافعي وغيره، اعتماداً منه على حديث أبي داود:«إن كان جامدا فألقوها وما حولها وكلوا سمنكم، وإن كان مائعا فلا تقربوه».
فلما تبين له أن قوله فيه:«وإن كان مائعا فلا تقربوه» ضعيف رجع عنه إلى القول: بعدم التفريق بين المائع والجامد، وأن العبرة في كل ذلك إنما هو التغير، فقال في فتوى له:
" وهذا هو الذي تبين لنا ولغيرنا ونحن جازمون بأن هذه الزيادة ليست من كلام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فلذلك رجعنا عن الإفتاء بها بعد أن كنا نفتي بها أولاً، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل "" مجموع الفتاوى"(٢١/ ٥١٥ - ٥١٦)(١).
ونحوه رجوعه عن بعض أحكام المناسك التي كان قلد فيها من قبله من العلماء كما قال في "منسكه "(المجموع ٢٦/ ٩٨).
ولا غرابة في أن يكون لمثله أكثر من قول واحد في بعض المسائل، وأن يخطئ في بعض آخر؛ فإن ذلك من الأمور الطبيعية التي لا يخلو منها أحد من العلماء بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإن من المعلوم أن أحدهم كلما طال به الزمن في طلب العلم، وتقدم به في ذلك العمر، كلما ازداد به معرفةً ونضجاً، وهذا هو السبب في كثرة الأقوال التي تروى في المسألة الواحدة عن بعض الأئمة المتبوعين، وبخاصة منهم الإمامين أحمد وأبا حنيفة، وتميز الإمام الشافعي من
(١) وانظر " المسائل الماردينية " لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق زهير الشاويش (ص ٢٧) طبع المكتب الإسلامي. [منه].