للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن تيمية رحمه الله بياناً شافياً لا بأس من نقله بتمامه لأهميته؛ قال رحمة الله عليه في «مجموع الفتاوى» (٨/ ٣٧١ - ٣٧٦): قد تكلم الناس من أصحابنا وغيرهم في استطاعة العبد هل هي مع فعله أم قبله؟ وجعلوها قولين متناقضين؛ فقوم جعلوا الاستطاعة مع الفعل فقط وهذا هو الغالب على مثبتة القدر المتكلمين من أصحاب الأشعري ومن وافقهم من أصحابنا وغيرهم.

وقوم جعلوا الاستطاعة قبل الفعل وهو الغالب على النفاة من المعتزلة والشيعة، وجعل الأولون القدرة لا تصلح إلا لفعل واحد إذ هي مقارنة له لا تنفك عنه، وجعل الآخرون الاستطاعة لا تكون إلا صالحة للضدين ولا تقارن الفعل أبداً، والقدرية أكثر انحرافاً فإنهم يمنعون أن يكون مع الفعل قدرة بحال، فإن عندهم أن المؤثر لا بد أن يتقدم على الأثر لا يقارنه بحال سواء في ذلك القدرة والإرادة والأمر. والصواب الذي دل عليه الكتاب والسنة أن الاستطاعة متقدمة على الفعل ومقارنة له أيضا وتقارنه أيضاً استطاعة أخرى لا تصلح لغيره، فالاستطاعة نوعان: متقدمة صالحة للضدين، ومقارنة لا تكون إلا مع الفعل، فتلك هي المصححة للفعل المجوزة له وهذه هي الموجبة للفعل المحققة له؛ قال الله تعالى في الأولى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} (آل عمران:٩٧) ولو كانت هذه الاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل لما وجب الحج إلا على من حج، ولما عصى أحد بترك الحج، ولا كان الحج واجباً على أحد قبل الإحرام به، بل قبل فراغه وقال تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} (التغابن: ١٦) فأمر بالتقوى بمقدار الاستطاعة ولو أراد الاستطاعة المقارنة لما وجب على أحد من التقوى إلا ما فعل فقط؛ إذ هو الذي قارنته تلك الاستطاعة وقال تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} (البقرة: ٢٨٦) و (الوسع): الموسوع وهو الذي تسعه

<<  <  ج: ص:  >  >>