للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتطيقه فلو أريد به المقارن لما كلف أحد إلا الفعل الذي أتى به فقط دون ما تركه من الواجبات. . . ونظائر هذا متعددة فإن كل أمر علق في الكتاب والسنة وجوبه بالاستطاعة وعدمه بعدمها لم يرد به المقارنة وإلا لما كان الله قد أوجب الواجبات إلا على من فعلها وقد أسقطها عمن لم يفعلها فلا يأثم أحد بترك الواجب المذكور.

وأما الاستطاعة المقارنة الموجبة فمثل قوله تعالى: {ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون} (هود: ٢٠) فهذه الاستطاعة هي المقارنة الموجبة إذ الأخرى لابد منها في التكليف؛

فالأولى: هي الشرعية التي هي مناط الأمر والنهي والثواب والعقاب، وعليها يتكلم الفقهاء وهي الغالبة في عرف الناس.

والثانية: هي الكونية التي هي مناط القضاء والقدر، وبها يتحقق وجود الفعل، فالأولى للكلمات الأمريات الشرعيات، والثانية للكلمات الخلقيات الكونيات كما قال: {وصدقت بكلمات ربها وكتبه} (التحريم: ١٢).

وقد اختلف الناس في قدرة العبد على خلاف معلوم الحق أو مراده، والتحقيق أنه قد يكون قادراً بالقدرة الأولى الشرعية المتقدمة على الفعل فإن الله قادر أيضاً على خلاف المعلوم والمراد وإلا لم يكن قادراً إلا على ما فعله، وليس العبد قادراً على ذلك بالقدرة المقارنة للفعل فإنه لا يكون إلا ما علم الله كونه وأراد كونه فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وكذلك قول الحواريين: {هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء} (المائدة: ١١٢) إنما استفهموا عن هذه القدرة. وكذلك ظن يونس {أن لن نقدر عليه} (الأنبياء: ٨٧) أي فسر بالقدرة كما يقال للرجل هل تقدر أن تفعل كذا؟ أي هل تفعله؟ وهو مشهور في كلام الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>