تَعْلَمُونَ} (البقرة:٣٠)، ذكر المفسرون: بأن الله عز وجل كان خلق خلقاً آخر غير الإنس قبل خلق آدم وهم جن، ففسدوا في الأرض، فخشيت الملائكة أن يكون هذا الخلق الجديد من ذلك النوع القديم الذي أفسد في الأرض.
فالله عز وجل أمرهم ليسجدوا ليعرفوا أن هذا الإنسان الذي هو أبو البشر فيما سيأتي من الزمان يستحق مثل هذا التكريم الإلهي.
وقلت آنفاً: إن السجود لشيء ما يدل على التعظيم، وأن هذه حقيقة لا شك ولا ريب فيها، فبإمكاننا أن نعلل الأمر الإلهي بما لا شك فيه، أما أن نأتي بتعليل لا برهان لنا عليه أنه خلقه مختاراً، فهذا يحتاج إلى [دليل] وإن كان فعلاً البشر مختار؛ ولذلك قال تعالى:{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}(الكهف:٢٩)، ولكن هذا لا يعني أن الملائكة ليسوا مختارين، وإنما يعني: أن الملائكة مفطورون على طاعة الله عز وجل، كما قال تبارك وتعالى:{لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(التحريم:٦).
فكون السجود للشيء يدل على إكرامه وتعظيمه، لدينا أشياء كثيرة وكثيرة جداً، منها: سجود إخوة ليوسف ويوسف لأبيه، كما جاء في سورة يوسف عليه السلام، ومنها: أن هذا السجود الذي بدئ بتشريعه في قصة الأمر من الله للملائكة بالسجود لآدم واستمر هذا الحكم يمشي حتى كان السجود يعتبر إكراماً في الشرائع السابقة، ومنها سجود إخوة يوسف عليه السلام، لكن هذا الإكرام الذي استمر إلى عهد الرسول عليه السلام نهى الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - عنه؛ لما فيه أولاً: من المبالغة في إكرام المسجود له، وثانياً: من باب سد الذريعة والإخلاص لله تعالى في عبادته.