للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خير، ويمكن تقريب المسألة بمثال مع التذكير بأن لله المثل الأعلى هذا أولاً، وثانياً: التذكير بمبدأ قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:١١)، فتقدير الله عز وجل هو خلق وتصرف منه عز وجل، يتوافق تماماً مع كل الصفات التي منها: القدرة والإرادة والعدالة والحكمة، فحينما نحن نرى شراً يقع، فهذا كما قال: {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (الأنعام:٩٦).

فالمثال الذي أريد أن أقرب به هذه المسألة الإيمانية: إذا رأيت طبيباً يقطع عضواً من مريضٍ ما فلا شك أنك تستنكر عمله إذا كنت لا تعرف أن هذا الطبيب أولاً ماهر في طبابته، وثانياً: عادل في تنفيذه لطبه، كذلك إذا رأيت حاكماً يضرب إنساناً أو يجلده، فستقول: بأن هذا شر، لكن إذا عرفت أنه يضربه بحق انقلب المفهوم السابق الذي كان في ذهنك وهو أنه شر إلى أنه ليس بشر، وهذا نحن بين بعضنا البعض فما بالك بالنسبة للخالق الذي لا يقاس به شيء إطلاقاً؟!

ولذلك فنحن نقول في موضوع القضاء والقدر: الأصل فيه الإيمان الصادق الصحيح، وحينما يجري نقاش بين المعتزلة والجبرية، حيث إن كلاً من الفريقين يقف بعيداً جداً عن الآخر، وكلاهما على طرفي نقيض؛ لأنهم يحكمون عقولهم دون أن يلاحظوا ما ذكرت آنفاً من أن الله عز وجل لا يضرب له الأمثال، وأنه تبارك وتعالى ليس كمثله شيء، فالمعتزلة يلتقون مع الجبرية في رأي واحد، لكن الفرق بين الفريقين: أن المعتزلة حينما يعملون عقلهم في ذلك الرأي يجدونه لا يلتقي مع العدالة الإلهية، فيفرون منه، أما الجبرية فيستقرون عليه ويطمئنون إليه، ما هو؟

إذا قيل: بأن الإنسان مقدر عليه كل عمل يأتيه، سواء كان خيراً أو شراً، التقى الفريقان: أن هذا يعني أنه جبر للإنسان على أن يفعل الخير أو الشر، فالتقيا في هذا كلاهما، لكن المعتزلة فروا قالوا: لو كان الأمر كذلك لم يبق هناك حكمة لله عز

<<  <  ج: ص:  >  >>