للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجل أولاً في أن يأمر بالخير وينهى عن الشر، وثانياً: أن يجزي على الخير خيراً وعلى الشر شراً، أن يجزي على الخير جنة وعلى الشر ناراً، يقول المعتزلة: التقدير مع التكليف لا يلتقيان، إذاً فروا إلى قولهم: لا قدر، الجبرية ظلوا على رأيهم: أن معنى كون لله عز وجل قدر على الإنسان الخير أو الشر أنه مجبور، وظلوا عليه.

فأخذ كلٌّ من الفريقين يرد الباطل الذي في كل منهما: الباطل في المعتزلة إنكارهم للقدر، الباطل في الجبرية تشبثهم بالقدر وإثبات الجبر، وهو إيمان باطل؛ ولذلك الأمر كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يؤخذ الصواب من كل من الفريقين ويترك لهم الضلال، يؤخذ من الجبرية إيمانهم بالقدر؛ لأنه حق، ويترك لهم القول بالجبر؛ لأنه باطل، ويؤخذ من المعتزلة قولهم: أن الجبر باطل، وينكر عليهم إنكارهم للقضاء والقدر.

فالشاهد: فكل من الفريقين تمسك بحق ورد باطلاً؛ والسبب: أنهم أرادوا أن يعقدوا هذه الصفة الإلهية التقدير الإلهي: وكل شيء بقدر، ما قال عليه السلام: «كل شيء بقدر، حتى العجز والكيس»، أرادوا أن يفهموا التصرف الإلهي بعقولهم المحدودة فوقعوا في الضلال، أولئك أنكروا القدر؛ لأنهم لم يستطيعوا أن يوفقوا بين الإيمان بالقدر وبين الإيمان بأن الإنسان مختار، وهؤلاء أنكروا اختيار الإنسان؛ لأنهم لم يستطيعوا أن يوفقوا بين اختيار الإنسان وبين القدر الإلهي.

فلذلك القصد من هذا الكلام: أن المؤمن يستعمل عقله وفكره إلى حد، وبخاصة فيما يتعلق بالصفات الإلهية، ومن ذلك القدر، فهو لا يستطيع أن يحل مشكلة القدر أو بالمعنى الصحيح: عقيدة القدر، بحيث أنه يفهمه ويخضعه لعقله، لا بد من إجمال، ولا بد من التسليم.

<<  <  ج: ص:  >  >>