للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسجد الذي قد يدخل فيه القبر فبالأحرى أن يشمل المسجد الذي بني

على القبر.

الثاني: أن الصحابة أقروها على هذا الفهم ولذلك رجعوا إلى رأيها فدفنوه - صلى الله عليه وآله وسلم - في بيتها.

فهذا يدل على أنه لا فرق بين بناء المسجد على القبر، أو إدخال القبر في المسجد، فالكل حرام لأن المحذور واحد ولذلك قال الحافظ العراقي: «فلو بنى مسجدا يقصد أن يدفن في بعضه دخل في اللعنة، بل يحرم الدفن في المسجد وإن شرط أن يدفن فيه لم يصح الشرط؛ لمخالفة وقفه مسجداً» (١).

قلت: وفي هذا إشارة إلى أن المسجد والقبر لا يجتمعان في دين الإسلام، كما تقدم ويأتي ويشهد لهذا المعنى الحديث الخامس المتقدم بلفظ:

«أولئك قوم إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً ... أولئك شرار الخلق ... ».

فهو نص صريح في تحريم بناء المسجد على قبور الأنبياء والصالحين؛ لأنه صرح أنه من أسباب كونهم من شرار الخلق عند الله تعالى.

ويؤيده حديث جابر رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه» (٢).


(١) نقله المناوي في «فيض القدير» (٥/ ٢٧٤) وأقره. [منه].
(٢) رواه مسلم (٣/ ٦٢) والسياق له وابن أبي شيبة (٤/ ١٣٤) والترمذي (٢/ ١٥٥) وصححه واحمد (٣/ ٣٣٩ و٣٩٩).
واعلم أن حديث جابر هذا في النهي عن البناء على القبر حديث صحيح لا يرتاب في ذلك ذو علم بطرق التصحيح والتضعيف، فلا تغتر بإعلال الكوثري له في «مقالاته» (ص ١٥٩) بان «فيه عنعنة أبي الزبير» فإن أبا الزبير قد صرح بالتحديث عند مسلم وكذا أحمد وما أعتقد أن هذا يخفى على الكوثري، ولكن يفعل ذلك عمداً شأن أهل الأهواء قديماً وحديثاً يضعفون الأحاديث الصحيحة إذا كانت عليهم، ويصححون الأحاديث الضعيفة إذا كانت لهم! والكوثري هذا مشهور بذلك عند أهل العلم، وقد بينت شيئاً من هذا في «الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة» (الأحاديث ٢٣ و٢٤ و٢٥) فليراجع من شاء التأكد مما نقول ويأتيك مثال آخر في هذا الكتاب. ويؤيد صحة الحديث أنا أبا الزبير لم يتفرد به، بل تبعه سليمان بن موسى عند أحمد وغيره، ولما صححه الترمذي قال: «وقد روي من غير وجه عن جابر» وتابعه أيضا أبو نضرة عند ابن النجار في «ذيل تاريخ بغداد» (١٠/ ٢٠١/١)
وله شاهد عن أم سلمة عند أحمد، وآخر عند أبي سعيد كما في «الكواكب الدراري» (ق ٨٦٨٧ تفسير ٥٤٨). [منه].

<<  <  ج: ص:  >  >>