فقد أشار بذلك إلى أن النهي عن اتخاذ القبور مسجداً يلزمُ منه النهي عن بناء المساجد عليها، وهذا أمر واضح، وقد صرح به المناوي آنفا وقال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث:«قال الكرماني: مفاد الحديث منع اتخاذ القبر مسجداً، ومدلول الترجمة اتخاذ المسجد على القبر ومفهومها متغاير، ويجاب بأنهما متلازمان وإن تغاير المفهوم».
وهذا المعنى هو الذي أشارت إليه السيدة عائشة رضي الله عنها بقولها في آخر الحديث الأول:
«فلولا ذاك أُبرِزَ قبره، غير انه خُشِيَ أن يُتَّخَذَ مسجداً».
إذ المعنى فلولا ذاك اللعن الذي استحقه اليهود والنصارى بسبب اتخاذهم القبور مساجد المستلزم البناء عليها، لجعل قبره - صلى الله عليه وآله وسلم - في أرضٍ بارزةٍ مكشوفةٍ، ولكن الصحابة رضي الله عنهم لم يفعلوا ذلك خشية أن بُيْنَى عليه مسجد من بعض من يأتي بعدهم، فتشملهم اللعنة.
ويؤيد هذا ما روى ابن سعد (٢/ ٢٤١) بسند صحيح عن الحسن- وهو: البصري- قال: ائتمروا (١) أن يدفنوه - صلى الله عليه وآله وسلم - في المسجد، فقالت عائشة: إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان واضعاً رأسه في حجري، إذ قال:«قاتل الله أقواماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، واجتمع رأيهم أن يدفنوه حيث قبض في بيت عائشة.
قلت: هذه الرواية على إرسالها تدل على أمرين اثنين:
أحدهما: أن السيدة عائشة فهمت من الاتخاذ المذكور في الحديث انه يشمل