قال الشيخ علي القاري في «المرقاة»(٢/ ٣٧٢) معللا النهي: «لما فيه من التعظيم البالغ كأنه من مرتبة المعبود، ولو كان هذا التعظيمُ حقيقة للقبر أو لصاحبه لكفر المعظم، فالتشبه به مكروه، وينبغي أن تكون كراهة تحريم. وفي معناه بل أولى منه الجنازة الموضوعة (يعني قبلة المصلين) وهو مما ابتلي به أهل مكة حيث يضعون الجنازة عند الكعبة ثم يستقبلون إليها».
قلت: يعني في صلاة الفريضة وهذا بلاءٌ عامٌ قد تعداه إلى بلاد الشام والأناضول وغيرها، وقد وقفنا منذ شهر على صورة شمسية قبيحة جداً تمثل صفاً من المصلين ساجدين تجاه نعوش مصفوفة أمامهم فيها جثث جماعة من الأتراك كانوا ماتوا غرقا في باخرة.
وبهذه المناسبة نلفت النظر إلى أن الغالب من هديه - صلى الله عليه وآله وسلم - هو الصلاة على الجنائز في «المصلى» خارج المسجد، ولعل من حكمة ذلك إبعادُ المصلين عن الوقوع في مثل هذه المخالفة التي نبه عليها العلامة القاري رحمه الله.
ونحو الحديث السابق ما روى ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه قال:
«كنت أصلي قريباً من قبر، فرآني عمر بن الخطاب فقال: القبر القبر. فرفعت بصري إلى السماء، وأنا أحسبه يقول: القمر!»(١).
وأما المعنى الثالث: فقد قال به الإمام البخاريُّ، فإنه ترجم للحديث الأول بقوله «باب ما يكره من اتخاذ القبور مسجدا على القبور».
(١) رواه أبو الحسن الدينوري في «جزء فيه مجالس من أمالي أبي الحسن القزويني» (ق ٣/ ١) بإسناد صحيح، وعلقه البخاري (١/ ٤٣٧ _ فتح)، ووصله عبد الرزاق أيضا في «مصنفه» (١/ ٤٠٤// ١٥٨١) وزاد: «إنما أقول القبر: لا تصل إليه». [منه].